(الـرَيـّـس).. عــمــو بــابــا

الرياضة 2022/03/02
...

علي رياح
ما أكثر ما ندور، نحن العراقيين، في حلقات مفرغة ربما لا نبلغ بعدها المُنى والمراد.  
كان حوارنا يتهادى ويخوض في التفاصيل، المعلن منها والمخفي.. المذيع الرائع كارناس علي وأنا، وفجأة سألني: نتحدث عن علامات فارقة للعنوان أو المضمون أو الإثارة في العمل الإعلامي، فما الذي جرى بين الراحل الخالد عمو بابا وبينك وكاد يتسبب في أزمة لم يكن الشيخ في حاجة إليها وهو في خريف العمر؟.  
أعادني السؤال إلى تلك البساطة والطيبة والتلقائية التي كان يتحلّى بها مدربنا الكبير الذي كنت سترى فيه التزمت والانغلاق والكثير من الاعتداد بالنفس حين تتخذ العلاقة معه منحى رسميا، لكن المعطيات ستنقلب فور أن تتسلل إلى قلبه ويجد في نفسه القبول لك.  
بعد التغيير السياسي الذي حصل في العراق قبل تسع عشرة سنة، ذهبت إلى المرحوم عمو بابا لكي أجري معه حوارا تلفزيونيا.. في ذلك المنعطف الزمني، كان الكل يتحدث عن تطلعات ما بعد التغيير أو عراق ما بعد التغيير والآمال المعقودة على عراق جديد يمكن أن يتنفس فيه العراقيون هواء الحرية والتقدم واستعادة الوضع الطبيعي للحياة.. اشتدّتْ الحماسة بعمو بابا وإذا به يذهب إلى القول من دون سابق إنذار: (راح أرشح نفسي رئيس).. فكان سؤالي رئيساً لاتحاد كرة القدم؟ قال: لا.. فقلت: رئيساً للجنة الأولمبية العراقية؟ فقال: لا.. وكان سؤالي: رئيسا لماذا؟ قال: (رئيس لجمهورية العراق).  
كان هذا الحديث عام 2003، وقد صُدمت لهذا التصريح، فكان عليَّ أن أراجع شيخ المدربين، فلربما خانته الكلمات، فقلت مُستفهما: نعم؟ فردَّ عليَّ بلهجته المُبسّطة اللذيذة بالقول: (أرشح كرئيس جمهورية.. إذا آني العراقيين كلهم يحبوني ليش ما أرشح.. من حقي أرشح، الشعب العراقي شيريد له؟ راح نص فلوس النفط أصرفها عليهم.. زين! راح يكونون كلهم رايديني.. أجيب لي چم مستشار.. هاااا.. ينطوني أفكار.. وأدير البلد.. أعمّرها للبلد.. وأنطي أهمية للكرة).  
الحقيقة وحين أنظر لأمر البلد وما بلغه من تدهور ونحن الآن في عام 2022، أصدّقُ ما ذهب إليه عمو بابا! فحتى النصف من عائدات النفط إذا تمّ التعامل معه بنزاهة وعدالة وأمانة، كان سيكفي الشعب العراقي لأن يعيش في رخاء، لقد كان الرجل بعيد النظر، لكنه في ما بعد ولضغوط سياسية تخلّى عن هذا التصريح.. الغريب أنه اتصل بي وقال لي: أنتَ سببت لي الإحراج وأنا لم أعلم أن هذا الكلام سوف يذهب بنا إلى هذا المنحى. هذا شأن السياسيين وليس شأني! فقلت له: لكن، يا أبا سامي، هذا حديث مُسجَّل صوتاً وصورة.. فقال: أرجوك أخرجني من هذا الأمر.. وبعد مضي فترة ليست بكثيرة هدأ الأمر وتفهَّم السياسيون أن عمو بابا بريء من السياسة وأحابيلها، وأنه لن يزايدهم في ما يتقاتلون عليه، في يوم من الأيام!.