واقعنا الثقافي.. مريض

الصفحة الاخيرة 2022/03/02
...

زيد الحلي
 
صارعتُ نفسي كثيراً قبل البدء بكتابة هذا العمود، إنه نوع من نشر الغسيل، وهذا من المحرمات في نهجي، لكن ما شاهدته ولمسته من حالة معيبة شملت حيزاً ليس بالقليل من المشهد الثقافي عندنا، ألح عليّ بالخوض فيه، رغم كُثرة ألغامه وخطورة مساراته، و(قوة) القائمين على شيوع ظاهرته، وأعني بذلك، ظاهرة الكم "المريب" من الإصدارات البائسة من 
الكتب..
ولو استمر الحال على ما هو عليه الآن، من دون تدخل جهة معينة، كأن تكون لجنة من المثقفين المشهود بكفاءتهم، لها صلاحية قرار نشر الكتب من عدمها، فإن واقعنا الثقافي سيدخل، إن لم يكن قد دخل فعلاً، في نفق لا نهاية له، نتيجة خلق أوهام ثقافية وتقديم 
أسماء لا تتمتع بجذور معرفية، فإصدار كتاب ليس مجرد رغبة شخصية، بل هو شأن عام يدخل في باب الذائقة الثقافية للعراق، وبدلاً من فرحنا بسطوع نجم مبدع حقيقي في سمائنا الأدبية، سيكون أمامنا واقع حال مؤسف يضم أسماء لا حصر لها، تحاجج من يتصدى لها بالقول، بأن لديها مؤلفات ونتاجات مطبوعة في الشعر والرواية والأدب والفنون ممهورة بصورها وأسمائها ذات البنط 
العريض!.
قبل أن أضع يدي على هذا الجرح الثقافي الغائر، الذي يحمل بين جنباته واقعاً مأساوياً، لا يمكن التكهن بنتائجه المستقبلية، كنتُ أعيش فرحاً تمثله كُثرة الإصدارات العراقية، وكلما وقع نظري على قراءة لإصدار 
جديد في صحيفة، أو أسمع خبراً في الإذاعة أو التلفزيون عن صدور نتاج ثقافي عراقي، فإن الغبطة تغمرني، غير أن هذا الفرح تحول عندي إلى غم ونكوص، فمعظم تلك الإصدارات يمكن أن نطلق عليها عنوان (إصدار شخصي) لا قراء له، والهدف منه وجاهي لتجذير أشخاص تعوزهم التجربة، يلهثون وراء شهرة موهومة لا سند 
لها.
أنقذونا يرحمكم الله.. فالوقوف بوجه هذه الظاهرة واجب ومسؤولية كبيرة وخطيرة، قبل أن يقف (جيل) يحمل مؤلفات لم يقرأها سواه، مطالباً بموقع لا يستحقه، متعكزاً على كتب فقيرة في كل 
شيء!.