في الحاجة إلى ثقافة قانونيَّة

آراء 2022/03/02
...

  * سرى آل جواد
 
يُشكّل القانون محورًا رئيسًا في حياة الإنسان الاجتماعية؛ لأننا على دراية أنَّ حالة الإنسان الأصلية تتسم بالفوضى والعنف والقوة، ومن هنا صار القانون ضرورة للمجتمع، فهو الذي ينظّم الحياة عامة؛ بوصفه: مجموعة من القواعد التي تنظم الروابط الاجتماعية في المجتمع بأحكام ملزمة، بغية تحقيق الاستقرار، من خلال إقامة التوازن بين مصالح الأفراد المتشابكة والمتعارضة، من طريق تحديد المركز القانوني لكل فرد، وما يتضمنه من حقوق وواجبات. 
غير أنّ هذه الأهمية الكبيرة للقانون يوازيها جهل وضعف شديدان في الثقافة القانونية والحقوقية لدى المواطنين؛ لذلك نرى أروقة المحاكم تعجّ بالقضايا التي قد يكون واحدًا من أهم أسبابها الجهل بالنظام والحقوق، ابتداءً من ضعف وعدم دقة صياغة الاتفاقات والعقود أو حتى انعدامها، والقضايا الأسرية المختلفة، والدخول في شركات مشبوهة من الناحية القانونية أو لا وجود لها أصلًا، ومنها شركات تشغيل الأموال، التي عانى منها الآلاف من المواطنين.
العراق من البلدان التي تكثر فيها القوانين، لكنه بحاجة إلى تفعيل تلكم القوانين، وهذا التفعيل بحاجة إلى دولة قوية تتمثل القانون وينعكس على تصرفاتها، وهو أمر يؤدي بالضرورة إلى ترسيخ الثقافة والوعي المجتمعي بالقانون، وترسيخ احترام سيادته وغرس قيمه الأساسية.
ولكي يتعرف المواطن على حقوقه وواجباته، وحتى وتكون له مساهمة إيجابية في رصانة بناء دولة يحكمها القانون وينظم عملها وأسس الحكم فيها، لا بدَّ من توفر الوعي القانوني، وهو أمرٌ منوط برغبة تلك الجماهير على تقبل مفاهيم القوانين وفهم نصوص الدستور، وبناء وعي جديد للمواطن العراقي بالحقوق والواجبات المنصوص عليها في الدستور، وتعريف المواطن بأهمية القانون وشروطه واختيار المرجعية الصحيحة التي يمكن الاحتكام إليها في حال الخرق أو التجاوز على القوانين، التي نص عليها الدستور، وهذا لن يتأتى من دون نقاش حر ومسؤول، ومن هنا يتعين على جميع المؤسسات المجتمعية المختلفة نشر الوعي بالقانون بين جميع أفراد المجتمع (رجال، سيدات، أطفال) لتجنب الوقوع في المشكلات، ولا بدَّ من إيجاد صيغ ثقافية شعبية لتسهل فهم التعابير القانونية، التي بدورها تسهم في إيصال تلك المعلومات الثقافية التي ظهر نقصها واضحا في مسألة الوعي وحرية التعبير والاختيار، ليفهمها المواطن العادي.
ولا يتم ذلك إلّا عن طريق تضافر جهود الجهات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام والجامعات لتأسيس عمل مشترك، سيساعد على النهوض بمهام توعية المواطنين بالحقوق الأساسية، ونشر ثقافة قانونية تُشكل ضمانة لأصحاب الحقوق، مع تفعيل أدوار مؤسسات المجتمع المدني المتخصصة توعويا.
ويجب ألا ننسى الدور الأهم لوسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت الوسيلة الأولى للثقافة والمعرفة وتبادل المعلومات، ومن ثم فإن هذا ينطبق على مهمة نشر الثقافة والمفاهيم القانونية كما ينطبق على سائر شؤون الحياة، ويجب علينا أن نأخذ بالحسبان أن تنمية هذه الثقافة لا بدَّ أن تتم تحت مظلة هذه الوسائل الحديثة لأجل بناء دولة قوية، ومع نشر هذه الثقافة وتطبيقها وتوعية الشعب سيدرك ما أن طُبِّقتْ هذه القوانين ستكون دولته من أكثر الدول صلاحية للعيش السليم. إن نشر الثقافة القانونية وتعريف الجمهور بها سيسهم إلى حد كبير في إنشاء المجتمعات المسالمة والخالية من الفساد والجرائم الشاملة للجميع؛ لما لذلك من أهمية في كبح جماح الإنسان المجبول على الشرّ.