وظائف المستقبل والقلق البشري

آراء 2022/03/02
...

 ميادة سفر
 
تشكّل الروبوتات وأنظمة الذكاء الصناعي مصدر قلق مزمن لإنسان هذا العصر، لا سيما في السنوات الأخيرة التي شهدت ثورات متتالية وتطورات كبيرة في عالم التكنولوجيا، ومع كل يوم يزداد قلق الكائن الإنساني من خطرها على بقاء الجنس البشري على قيد الوجود، أو مدى تأثيرها على ماهية الوظائف المستقبلية المتبقية للإنسان ليقوم بها.
سوف تغير التكنولوجيا طبيعة الوظائف التي اعتاد الإنسان القيام بها، ويبدو أننا سنشهد اندثارا لكثير من الأعمال والوظائف، في الوقت التي يبعد فيه البشر عن سوق العمل ليحل محله الذكاء الاصطناعي، وهو أمر منطقي وطبيعي مع التطور الذي يجري بين لحظة وأخرى، فلا يمكن التمسك بأعمال تستغرق وقتاً طويلاً لإنجازها لأن الإنسان يقوم بها، في حين يمكن بكبسة زر تغيير العالم، وهو أمر ليس  بالجديد أو الطارئ، ذلك أنّ البشرية لم تبقَ على حالها منذ نشأتها، بل تغيّرت طرق عيشها وأدواتها بما سهّل حياة الإنسان وساعده على البقاء، فهل خطر في ذهن أحدكم تصور كيف ستكون حياتنا لو لم يتم اختراع الطائرات والسيارات مثلاً، ومثلما غيّر اكتشاف النار حياة الإنسان البدائي، لا بدّ ستغير التكنولوجيا حياتنا.
إنّ الواقع يشي بحلول التكنولوجيا محل الإنسان في بعض الأعمال، على سبيل المثال حلت الآلات محل العامل البشري في بعض الأعمال المصرفية، مثل حلول "الصراف الآلي" محل المحاسب وقللت من الاعتماد على الإنسان في أعمال بنكية أخرى، فضلاً عن الآلات التي تشغل معامل ومصانع ضخمة وتزيد من كمية الإنتاج بشكل كبير، مما برر للكثير من أصحاب وأرباب العمل الاستغناء عن العمال والاستعاضة عنهم بالآلة التي توفر لهم منتجاً أكبر وبفوارق زمنية 
أقل.
لا شكّ أنّ حلول الآلة محل الإنسان سيخلق أعداداً كبيرة من العاطلين عن العمل ويزيد بذلك من معدلات البطالة وتتنامى أعداد الفقراء حول العالم، وهو ما يشكل جانباً سلبياً للتكنولوجيا لا بدّ من أخذه بعين الاعتبار، ومحاولة إيجاد حلول للنتائج المترتبة عليه قبل أن تتفاقم المشكلات ويصبح حلها متعذراً، فالدول التي تقرر الاستغناء عن بعض الوظائف والأعمال وصرف عمالها، عليها تأمين بديل لهؤلاء الذين خسروا مورد رزقهم، إما بخلق بوظائف جديدة أو التكفل بهم 
معيشياً.
من ضفة أخرى، إنّ الكثيرين الآن يقرؤون هذا المقال عبر شاشات هواتفهم المحمولة أو من خلال أجهزة الكومبيوتر الموضوعة أمامهم، في المكتب أو البيت أو في السيارة، أينما كنت... تحاصرك التكنولوجيا وتعرض لك خدماتها حتى لم يعد بالإمكان الاستغناء عنها أو حتى التخفيف من الاستعانة بها للقيام 
بأعمالنا.
إلا أنّ ذلك لن يلغي دور الإنسان بشكل كامل، ذلك أن تلك الحواسيب والآلات تتطلب جيشاً من المختصين والفنيين لتطويرها وإبقائها قيد العمل، لذلك لا داعي للقلق الذي ينغص حياة البعض، إذ إنّ التكنولوجيا قد تلغي بعض الوظائف، إلّا أنها بالمقابل تخلق وظائف جديدة، وما على الإنسان إلّا مواكبة التطور وملاحقته إذا أراد البقاء، عبر تطوير قدراته وتنمية ذكائه بما يتوافق مع روح العصر الجديد، ليبقى هو المتحكم بالآلة وليس 
العكس.