قراءة في أسباب الغزو الروسي لأوكرانيا

آراء 2022/03/04
...

  اياد مهدي عباس
 
إن الغزو الروسي لأوكرانيا هو الحدث الأهم والأبرز على مستوى العالم، لذا شهد الرأي العام العالمي اختلافاً في وجهات النظر وانقساماً حول أسباب الغزو الروسي، فكانت الآراء متباينة بين من هو رافض للطريقة، التي تعاطت بها القيادة الروسية مع الأزمة الأوكرانية وبين من هو مؤيد لها، حيث إن مواقف أغلب الدول كانت رافضة لفكرة غزو الأراضي الأوكرانية من قبل الجيش الروسي وافتعال روسيا حرباً قد تكون كونيَّة مدمرة وغير مضمونة العواقب، وإن وقود هذه الحرب هم الأبرياء من ابناء شعوب المنطقة والعالم وخصوصاً الشعب الأوكراني.
وخطورة هذه الحرب أنها وقعت ضمن منطقة حساسة جدا من العالم، حيث تمثل نقطة التقاطع بين المصالح الغربية من جهة بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الأوربيين وبين روسيا من جهة أخرى، فكان خلاصة هذا الرأي قائما على ضرورة قيام روسيا بإتباع الطرق الدبلوماسية وحل الأزمة بصورة سلمية عبر الحوارات والتفاهمات بين البلدين، للوصول الى اتفاق يضمن حق الطرفين كي يُجنبا المنطقة والعالم حرباً مدمرة تهدد الأمن العالمي برمته.
بينما يرى البعض الآخر أن أوكرانيا ارتكبت خطأ كبيراً، حينما طلبت الانضمام الى حلف الشمال الاطلسي (الناتو )، الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية مع علمها برفض روسيا لهذا الانضمام وعدم الموافقة عليه بأي حال من الاحوال.
وعلى الرغم من أن اوكرانيا هي دولة مستقلة منذ عام 1991 ولها سياستها الخاصة بها الا أن روسيا تراها جزءاً من مجالها الأمني والجغرافي، وان انضمامها الى حلف الناتو هو خطر يهدد أمنها ووجودها القومي، وإن ترك روسيا الباب مفتوح امام الولايات المتحدة الأميركية للأقتراب من حدودها من خلال اوكرانيا يشكل ذلك خطأً فادحاً وتهديداً كبيراً لأمنها وسلامتها، وهي محاولة أميركية أوروبية، لكسر هيبتها كدولة عظمى لها مكانتها في المنطقة والعالم، لذلك قامت القيادة الروسية بعمل عسكري ضد أوكرانيا كي يكون بمثابة رسالة رفض وردع للسياسة الأميركية وحلفائها في المنطقة، وهو أمر ضروري بالنسبة لها للحفاظ على أمنها الوطني والوقومي.
بينما يرى البعض الىخر أن سبب افتعال هذه الازمة وإشعال فتيلها هو الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها الأوربيون وليست روسيا كما يظن البعض، وكذلك تعنت القيادة الأوكرانية وجهلها بعواقب مثل هكذا مواقف وغصرارها على الانضمام الى حلف الناتو، التي تقوده أميركا وهي تعلم أن اميركا وحلفاءها يسعون الى تطويق روسيا وتحجيم دورها عالمياً واقليمياً واستهانتها بردة الفعل الروسية، كل ذلك كان سببا في خلق هذه الأزمة الخطيرة.
ومن خلال العودة الى بداية الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي سابقاً، وخصوصاً في فترة الستينيات من القرن الماضي وبالتحديد في عام 1962، حينما وقعت أزمة حادة بين الطرفين، كادت تكون سبباً في اندلاع حرب نووية ساحقة، لولا إن تراجعت روسيا عن موقفها، بعد عقد اتفاقية سرية بين الطرفين وذلك عندما حاولت روسيا سراً بقيادة خورتشوف بناء قواعد عسكرية على الأراضي الكوبية، فكانت ردة الفعل الأميركية مشابهة لما قامت به روسيا اليوم، فحدثت في حينها أزمة كبيرة بسبب رفض أميركا لفكرة التواجد الروسي العسكري بالقرب منها رفضاً قاطعاً، على الرغم من أن المسافة الفاصلة بين كوبا وأميركا لا تقل عن 300 كيلو متر، وعدم وجود حدود برية مشتركة بينهما وليس كما هو الحال بين أوكرانيا وروسيا اليوم، حيث تربطهم حدود برية طويلة جدا. 
وهنالك رأي آخر يرى أن دور الإدارة الأميركية في التعاطي مع الأزمات العالمية دور سلبي ومحرض في اغلب الأحيان، وأنها تحث على خلق صراعات دولية من أجل خلق بؤر للتوتر بين الدول المتجاورة ومحاولتها الاستفادة من هذه الصراعات، حتى وإن كان ذلك على حساب السلم العالمي، فمحاولتها استثمار الأزمة الروسية الأوكرانية من خلال فرض حصار اقتصادي قاسٍ على روسيا بمساعدة حلفائها من أجل إضعافها اقتصاديا وسياسيا، سوف تكون له تبعات خطيرة في المستقبل لا تقل خطرا عن الغزو الروسي لأوكرانيا وكذلك سوف يزيد الأزمة تعقيداً وصعوبةً وخلق حالة من التوتر وعدم الاستقرار الأمني والسياسي والإقتصادي في المنطقة والعالم قد تستمر لفترات طويلة، لذا على المجتمع الدولي أن يأخذ دوره ويسهم بشكل فعال في حل هذه الأزمة حلاً سلمياً ضمن القوانين الدولية المتعارفة، وألا ينصاع للمخططات الأميركية الرامية الى تصعيد المواقف من أجل تمرير مخططاتها 
التوسعية.