بغداد: نوارة محمد
فتح أحمد نافذة سيارته في أحد التقاطعات، وهو منزعج من صغير اعتاد على اقتحام خصوصيته يومياً، كان الزحام على أشده وصدى أصوات سائقي المواصلات العامة الباحثين عن رُكاب جُدد يرّن في آذان المارة.
ويقول عبدالله محمد (11 عاماً) إن “التقاطعات فرصة لتلميع نوافذ السيارات مقابل أجر متدنٍ”، لقد تركني والداي ولم أجد سوى الشارع مأوى لي.
وعادة ما يتسابق الصغار مثل عبد الله على تلميع زجاج نوافذ السيارات الفارهة، كما يضيف عبد الله الذي ترك دراسته قسراً “نحن لسنا سوى دُمى ننصاع للأوامر، وبحسب شروط وضوابط ومحددات، علينا البقاء في أحد التقاطعات، والجميع هنا يعرفون بعضهم، والغريب غير مسموح له بالدخول”.
يعمل عبد الله هنا منذ الخامسة فجراً، حتى السابعة مساء، وهو يحمل بين يديه الممسحة والقليل من الماء المضاف إليه مساحيق التنظيف، ويركض لاهثاً خلف السيارات التي بدت وجوه بعض أصحابها مألوفة بالنسبة له، بينما بعضهم الآخر صار يعرفه جيداً، كما يقول “تمر السيارات من هنا يومياً وبمواعيد ثابتة”.
واعتاد الطفل على تنظيف زجاج نوافذ تلك السيارات، ويقضي النهار تحت أشعة الشمس بين هذا الذي يصرخ بوجهه أو ذاك الذي يوبخه، وقد يكسب عطف آخر ويمده ببعض الدنانير.
وبحسب شرطي المرور المسؤول عن أحد التقاطعات فإن الموضوع شائك ومعقد، “لا سيما إن العصابات الإجرامية هي من تحرك عمالة الأطفال وتتبنى هذا الأمر”، وفي الآونة الأخيرة بات من الصعب محاسبة هؤلاء الأطفال أو منعهم، وفقاً لتعبيره.
أما أحمد الذي يبلغ (10) أعوام وينحدر من حي فقير فاختاره القدر كما غيره ليجوب الشوارع بين هذا وذاك لمحاربة الفقر بأجور لا تكفي لسد حاجتهم وأفراد أسرهم، كما يقول “حينما فارق والدي الحياة، قررت أمي أن أخرج لبيع قناني الماء، لأحصل يومياً على مبلغ لا يزيد على خمسة آلاف دينار عراقي، إذ لا خيار لدينا”، ويضيف إن «الأعداد تتزايد، وتتراوح أعمارهم من 6 إلى 12 عاماً، وأنا واحدٌ من الأطفال الذين يتعرضون يومياً لتحرش لفظي وحتى جسدي أحياناً».
لكن السؤال الذي يراود الجميع هل يحظى هؤلاء الأطفال بفرصة للعيش؟، إذ لا قدرة لديهم على مواجهة قبح هذا العالم وبشاعة ما خلفته الحروب وما تصنعه العصابات الإجرامية، وهل تنتهي هذه الأزمات التي لا تختلف سوى بقتل الأحلام واندثار الأمنيات؟.