أوروبا وحرب الطاقة

الرياضة 2022/03/08
...

علي حسن الفواز
 
للحربِ أقنعة كثيرة، ورهانات معقدة يدخل فيها الدعائي والتسويقي والاقتصادي والنفسي والسياسي، لكن قناع الحرمان من السلم الأهلي يظل هو القناع والرهان الأقسى والأصعب، والأكثر تأثيرا في تبشيع الحرب، وفي الخضوع القسري إلى رعب معطياتها ونتائجها، وأحسب أن تهديد مصادر الغذاء والطاقة هو أكثر تجليات ذلك السلم، إذ يُدخل الحرب في توصيفات القهر الاجتماعي والنفسي، لا سيما وأن تضخم الترسانة العسكرية، وطبيعة الأسلحة التدميرية يجعل الحرمان أكثر قربا للكارثة، على مستوى حصار المدن، أو تدفق اللاجئين من الدول المتحاربة، أو على مستوى ما ستعانيه الدول من أزمات اقتصادية، ومن أسعار آخذة بالتضخم والضغط 
على مواطنيها.
الحرب في أوكرانيا أثارت جدلا إشكاليا في طبيعة صراعاتها، وفي مدياتها، وفي علاقتها بالسلم العالمي، فالتضخم في أوروبا قفز إلى أكثر من 5 %، مع شحة كبيرة في المواد الغذائية، وضعف في تأمين واردات الطاقة، وهو ما كشف عن البعد الإنساني الصعب في الحرب، وعن الضعف في التعاطي مع إدارة أزماتها، وفي مواجهة تداعياتها التي امتدت إلى العالم كله، لاسيما مع فرض العقوبات المتبادلة بين أوروبا وأميركا وبين روسيا المورد الرئيس للطاقة والقمح والمواد الأولية للصناعات الستراتيجية.
تصريحات السياسيين في حلف الأطلسي لها حسابات خاصة، فهي تفتح شهية العصاب السياسي، وتربط إجراءات الحظر الاستيرادي بسياسة العقوبات، بعيدا عن واقعية الشارع، وتداعيات ذلك على المجتمعات، ولعل آخرها تصريح انتوني بيلكن وزير الخارجية الأميركي، والداعي إلى مناقشة حظر واردات النفط الروسي مع شركائه الأوروبيين، وهو حظر سياسي أكثر من كونه اقتصاديا، وتوسيعا للعقوبات 
المفروضة على روسيا.
إن ما يجري على الجبهات غير ما يجري في المدن، فالحرب بين “الكبار” حذرة، والخوف من امتدادها النووي يجعل من الدول تبحث عن أقنعة أخرى للحرب، لكن الواقع الاقتصادي والإنساني في المدن، وعلى حدود الدول التي يلجأ اليها الهاربون من تلك الحرب، له توصيف آخر، فالفضائيات تنقل صورا ترسم ملامح سوداوية، ووقائع قابلة للتفجر، لتضع العالم أمام كارثة إنسانية من الصعب 
السيطرة عليها.