وجوه وأقنعة

استراحة 2022/03/08
...

ستار كاووش
كيفَ ترسم بورتريتاً مختلفاً لنفسك؟
ماذا تفعل كرسام لتحصل على نتيجة مختلفة عما قدمه باقي الرسامين الذين رسموا أنفسهم؟
قليل من الرسامين نجحوا بالتعبير عن ذاتهم عبر بورتريهات جديدة ومختلفة، وأنجزوا لوحات شخصية وجدت لها مكانة مهمة في تاريخ الفن.
وهذا البورتريت الذاتي الذي رسمه الفنان البلجيكي جيمس أنسور سنة 1899، مثال جيد لذلك، فهو يضع نفسه وسط عدد هائل من الأقنعة، حتى يبدو كأنه وسط أحراش غابة مخيفة، أو ربما في حفلة تنكرية سيتركها بعد دقائق عائداً إلى بيته في بروكسل.
يفتل شاربه الطويل ويضع على رأسه قبعة حمراء مزينة بالريش والورد، بينما تعكس الوجوه المحيطة به تعبيرات مختلفة وتعتمر قبعات بهيئة زهور، نباتات أو شعر مستعار، وتبدو الوجوه مخيفة وهي تبتسم ابتسامات بلهاء فيها شيء من الفزع، تذكرنا بشخصيات الرسام يرون بوش. 
وجوه غريبة ملأت اللوحة بإيحاءات وتعبيرات مختلفة، تحمل طابعاً تهكمياً مشاكساً، وهنا يبتعد أنسور عن كل تقاليد الرسم التي كانت سائدة. 
يدير أنسور عينيه نحونا نحن المشاهدين، وكأنه يبحث عن ردة فعلنا وما سنقوم به جراء هذه الشخصيات المخيفة التي ينبثق من وسطها، ونحن كمتلقين لا نعرف كيف نواجه هذا النوع من المفاجآت، ولا نعرف كيف نحدد استجابتنا، وهذه الحيرة التي تتركها اللوحة بداخلنا، هي التي جعلتها فريدة ومختلفة، وتأخذ مكانها كواحدة من إيقونات الفن البلجيكي 
المهمة.
ولد جيمس أنسور في بروكسل لأبوين إنجليزيين، ولم يهتم بالدراسة، بل حصلَ على بعض دروس الرسم قريباً من المكان الذي يعيش فيه، وبعد فترة نجح في الدخول إلى أكاديمية الفنون في بروكسل، ليقوم بعرض بعض لوحاته هنا وهناك، بعد أن استعمل عُلِّيَة منزل والديه كمرسم.
تعتبر اللوحات التي قدمها في بداياته هي أعظم ما أنتج، وكانت تحمل طابعاً دينياً يشير إلى وحشة كبيرة، تعكس مرارة هذا الفنان إزاء العالم، وهذه اللوحات هي التي ساهمت في فتح الطريق نحو التعبيرية، ومن لوحاته المبكرة المهمة، لوحة (دخول المسيح إلى بروكسل) والتي رُفضت وقتها باعتبارها لوحة فاضحة. 
أعظم إنجازات هذا الفنان هي إدخاله الأقنعة في لوحاته، تلك الأقنعة التي كان الكثير منها يشير إلى السياسيين ورجال الدين والشخصيات التاريخية وحتى بعض أفراد أسرته، وهنا حوَّلَ مفردة القناع إلى أسلوب للتعبير وقوة رمزية تعبر عن أفكاره.
وهكذا تميز هذا الفنان بالجرأة بالتعبير عن نفسه، كذلك عدم التردد من الانتقال من هذا التعبير إلى هذه التقنية، وهذا لازمه طوال حياته، حتى أنه في سنواته الأخيرة تحول للعزف على الأرغن، ورغم أنه لم يتعلم العزف في معهد متخصص، لكنه كان موهوباً في ارتجال المقطوعات، حتى أنه كتبَ بعض الأغاني وله مساهمات في بعض عروض
الباليه.