الحرب في كييف والحرائق في بيروت

آراء 2022/03/09
...

   د. نازك بدير*
 
لطالما تغنّى الشّعراء والكتّاب بموقع لبنان الجغرافيّ، بوّابة الشّرق على الغرب، نقطة يمتزج فيها عبق التّاريخ، وسحْر الأساطير، وشواطئ فكّت بأبجديّتها بُكْم العالم... ولكن اليوم، يدفع أبناؤه المقيمون فيه ثمن هذا الموقع من لحمهم الحيّ، ضريبة سياساتٍ داخليّة وخارجيّة، وجِدَتْ لتكون دفاعًا عن (أو في مواجهة) مشاريعَ إقليميّة ودوليّة.
وفي كلتا الحالتين، الخاسر الوحيد في خضمّ هذا الصّراع هو المواطن المصلوب على خشبة الموازنة، وأمام انهيار سعر صرْف الليرة، وفقدان السّلع الأساسيّة، وفي صناديق الاقتراع المحسومة النّتائج مسبقًا.
صحيح أنّ روسيا تستخدم في الحرب على أوكرانيا صواريخ كروز، وغراد، وقاذفات قنابل حراريّة، ومقاتلات سخوي، وغيرها من الأسلحة، لكن في لبنان، ثمّة حرباً من نوع آخر، تُشنّ بوسائل غير تقليديّة؛ حرب شرسة، صامتة. وعلى الرّغم من أنّ وسائل الإعلام العالميّة لا تغطّيها بشكل مباشر، ولا توثّق جرائمها لحظة بلحظة، لكنّها أشدّ إيلامًا من حروب الشّوارع. ضحاياها المدنيّون والعسكريّون مِن ذوي الدّخل المحدود. المسؤول عن قَتْلهم بدم بارد، والسّبب الرّئيسي لهجرتهم الثّالثة، ليس عدوّهم الإسرائيلي، بل هو واحد منهم. الّلبنانيّون اليوم يخوضون معركتين: داخليّة، وخارجيّة. على المستوى الدّاخلي، يواجهون الفساد، بمختلف أشكاله، وتعقيداته، وشبكاته التي تتفوّقُ في تقنياتها المعدَّلة و"المشفَّرة" الأنظمةَ المؤسساتيّة العامّة المعرَّضة للاختراق بشكل دائم. إضافة إلى الجبهة الخارجيّة المتمثّلة بالحصار الغربيّ، والعقوبات الماليّة والاقتصاديّة التي أعادَت- بمؤازة الفساد المستشرس- البلدَ إلى عصور الظّلام، وجعلَت الشّباب يفقدون أيّ أمل بالغد.
لا شكّ أنّ للحرب الروسيّة- الأوكرانيّة تداعيات خطيرة، ليس على لبنان فحسب، إنّما على المنطقة ككلّ، حيث نشهد المزيد من التّصدّعات السّياسيّة والاقتصاديّة. ولعلّ من مؤشّراتها، ارتفاع سعر برميل النّفط، وفرْض قيود على تصدير السّلع من أوكرانيا. ناهيك عن العقوبات المفروضة على روسيا، وما لذلك من نتائج سلبيّة على أصدقائها في المنطقة.
أمام هذه المشكلات المضاعفة يستحقّ الوضع في لبنان الاهتمام من قبل المجتمع الدّوليّ، والعمل بجديّة، وبنوايا صافية، للمساهمة في معالجة أزماته. ولكن الخلاص الحقيقيّ، بالدرجة الأولى، يكون من الدّاخل، بالتّخلّي عن المصالح الشّخصيّة، والعودة إلى مفهوم الوطن والدّستور، وليس بالرّهان التّامّ على الخارج، وإلّا، فالمحاولة لن تشبه سوى سكْب المياه في سلّة قشّ.  
                                                                               أستاذة جامعيّة