حميدة العربي
رغم وجود العديد من الجميلات والموهوبات في السينما الهندية إلا إن مادوبالا كانت حزمة مثالية وفريدة من الجمال والموهبة والذكاء، طافت شهرتها العالم، وبعثت مجلة لايف الأميركية مصورها خصيصاً لتصويرها ووضع صورتها على الغلاف مع عنوان (النجمة الحقيقية ليست في بيفرلي هيلز، إنها في بومباي)
ولدت ممتاز عطاء الله خان، في 14 شباط 1933 بدلهي، ووالدها عاطل عن العمل باستمرار، وبعمر7 سنوات سجلها في كورال الإذاعة باقتراح من صديق، وبعد سنة اختارتها المنتجة كيڤيدا راني في فيلم (بَسَنت) وتبعته بخمسة أفلام، واسمتها مادهوبالا (حلاوة العسل)، وبعمر 14عاماً كانت أول بطولة لها في (نيل كمال) وأصبحت العائل الوحيد للأسرة المكونة من (11 نفراً)، يقول المخرج كيدار شارما: (لم يكن جمالها ولا موهبتها ما دفعني للتعاون معها وإنما كفاحها وشعورها بالمسؤولية، عمرها 14عاماً وتستقل القطار فجراً برحلة طويلة لتكون جاهزة، ولم تغب يوماً أو تتأخر) وأصبحت نجمة شباك بعمر17عاماً بعد (محل) أول فيلم رعب، واسمها قبل النجوم الذكور ولقبت (فينوس السينما الهندية) ومثلت 73 فيلماً في 22 سنة، وتنقلت بين التراجيديا في (أمار)، (شيرين وفرهاد)، (ملكة القلوب)، (سنة واحدة)، والكوميديا في (بوابة الهند ) و(سيارة اسمها غادي) وقدمت فيه (أفضل شخصية لامرأة حضرية مستقلة) وأول ممثلة تقود سيارة على الشاشة، و(مستر ومسز 55) الذي وصفه الناقد هارنيت سنغ بأنه (رحلة رائعة أظهرت سحر مادوبالا الشقي وأداءها المنعش) والاستعراض في (علاقة) و (جسر حوراء)، إذ قدمت راقصة كابريه في خروج واضح عن المألوف، الناقدة خديجة أكبر وصفت أداءها بـ (إغواء بدون فساد وإغراء بلمسة من الرقي) وأغلب أدوارها تختلف عن الصور المعتادة في السينما مثل (مياه سوداء) مع ديڤ اناند و(يقظة الإنسانية) مع سونيل دوت و(الغد لنا) مع بهارات بوشان، و(الاستاذان) مع راج كابور، و(نصف تذكرة) مع كيشور كومار، عام 1960قدمت واحداً من أهم أدوارها على الإطلاق في (مغول أعظم) المأخوذ عن رواية أناركالي لامتياز علي تاج، بدور راقصة القصر أناركالي، واعتبر النقاد هذا الدور « تتويجاً لمجد مسيرتها» ورشحت لجائزة أفضل ممثلة، وكتب محرر فيلم "فير": (كانت واحدة من مهازلهم الكارثية إنهم لم يمنحوها جائزة أفضل ممثلة عن مغول أعظم لقد كانت تستحقها بجدارة) ويقول شامي كابور (مادو أكثر موهبة ظُلمت في السينما الهندية، وقدمت أدوارها بتميز، وانشغلوا بجمالها فقط)، الكاتبة سوشيلا كوماري أكدت (كان الجميع مفتونين بجمالها وسحرها ولم يهتموا بالممثلة)، وخلف النجومية والابتسامة المتحدية كان هناك إنسان يتعذب، فقد ولدت بثقب صغير في القلب، سبب لها معاناة واعتلالاً، وفرض عليها والدها طوقاً حديدياً وهيمن على حياتها وثروتها بكل سطوة الأب القاسي، ولا يسمح لها بالمشاركة في أي نشاط، لا زيارات ولا تصوير ليلي ولا مؤتمر صحفي ولا حضور افتتاح، ويضع هذا كشرط في العقود.
كان لقاؤها بديليب كومار في فيلم (تارانا) بداية لقصة حب سيخلدها الزمن ويرددها المعجبون بلوعة، ولأنهما أبرز نجمين، صارا حديث الصحافة، وعارض والدها زواجهما ووضع شروطاً تعجيزية على كومار رفضها الأخير واعتبرها استغلالاً له، واشتركا بستة أفلام هي الفترة الذهبية بالعلاقة حتى جاءت الضربة القاضية حين منعها أبوها من السفر لتصوير (نايا دوار) أمام كومار، بحجة صحتها، فاستبدلها المخرج وطالب والدها بإرجاع العربون، وصلت القضية إلى المحاكم، وجاء كومار شاهداً فيها، وكانت أشهر القضايا الفنية وقتها، إذ تجمهر الناس داخل المحكمة وخارجها لرؤية النجوم ومعرفة مصير القضية، ديليب فاجأ الجميع وشهد ضد والدها ونعته بـ (الدكتاتور الذي يدمر حياة ابنته ويستغلها) وطالبها (اتركي والدك وسأتزوجك فوراً) ردت عليه (تعال اعتذر منه وعانقه وسأتزوجك فوراً) لكنه لم يعتذر، وهكذا انهارت علاقة سبع سنين بلحظات، داخل جدران محكمة، لكن الجرح استمر نازفاً لأن النهاية ظلت مفتوحة، فقد كان بينهما (مغول أعظم) لم ينته تصويره بعد وفيه مشاهد رومانسية يجب أن تنفذ، يقول المخرج كريم آصف (كانا يدخلان الاستوديو من دون أن يسلما على بعض ولا يتبادلان أي كلمة لكنهما يمثلان المشاهد بكل تفاعل وانسجام)، وربما انتقاماً من ديليب، وكسراً لهيمنة والدها، تزوجت المغني كيشور كومار رغم الاختلافات بينهما والتحذير بأنه يستغل نجوميتها، وأثناء تصوير (بوي فريند) انهارت مادو ونقلت إلى لندن حيث تم اكتشاف الثقب، وأخبر الأطباء زوجها بأنها لن تعيش طويلاً، فبدأ بالتهرب من المنزل، وقضت سنواتها الأربعة الأخيرة راقدة عند أهلها، وزوجها غائب دائماً، ووالدها يتصرف بثروتها وشركتها، وحبيبها تزوج زميلته عام 1969 وبعد 9 أيام من عيد ميلادها الـ 36 وبينما كان زوجها يحيي حفلته انطفأت أجمل ابتسامة ظهرت على الشاشة الهندية، وصُعق الجميع، رغم توقع الحدث، وصدرت الصحف بعناوين رئيسة:(غادرتنا أكثر النجوم سطوعاً) (رحيل أناركالي) (مادو.. السندريلا التي حانت ساعتها الثانية عشرة قبل أوانها) وتم إعلان تبرعاتها السخية منذ عمر18عاماً، وتكريماً لها غنى اليوناني ستيليوس كازانزيديس (مادوبالا).
"أحبت الحياة، أحبت العالم.. الحياة، بالنسبة لها، حب والحب حياة، تلك هي مادوبالا أجمل النجوم الساطعة".