{سارق الدراجة}.. أخرجه دي سيكا وخلّده التاريخ

الصفحة الاخيرة 2022/03/09
...

علي حمود الحسن
أعددت قبل فترة حلقة تلفزيونية عن الفيلم الإيطالي الكلاسيكي "سارق الدراجة"(1948) للمخرج فيتوريو دي سيكا، الذي هو أحد آباء الواقعية الجديدة، وهي ليست المشاهدة الأولى على أية حال، على الرغم من إنتاجه البعيد، لكنه ما زال مؤثراً حيوياً ويتمتع بمزايا الأعمال العظيمة، ربما لأن ثيمته ورؤية مخرجه تطرقت لأزمة الإنسان المعاصر وظلال الحروب وقسوة النظام الرأسمالي، الذي ما زال يولد أزمات ومحناً أرهقت كوكبنا الأرضي وقللت من فرص نمائه.
 قصة الفيلم تدور أحداثها في روما، أيام البطالة والكساد الاقتصادي، الذي اجتاح إيطاليا واوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، خلال 24 ساعة نتابع فيها أحداث يوم تعيس يعيشه مواطن عاطل عن العمل يدعى أنطونيو ريتشي (لامبيرتو ماجيوراني)، فبعد حصوله على فرصة عمل في لصق الإعلانات، يشترط صاحب العمل أن تكون لديه دراجة، ولأنه كان قد رهنها من أجل لقمة العيش، ولا يمتلك نقوداً لاسترجاعها، تتخذ زوجته قراراً حازماً ببيع شراشفها، فيستعيد دراجته ولفرط سعادة يحملها على كتفه، وبعد انهماكه في العمل تسرق الدراجة فتضيع آماله جميعها، ويصيبه القنوط،  فيقرر سرقة دراجة من الشارع، ويلقى القبض عليه ثم يخلى سبيله من أجل ابنه، ليعود إلى بيته وسط الجموع بلا أمل سوى تعاطف ابنه الصغير برنو(إينزو ستايولا) الذي شد على يده بقوة وربما يحميه من نفسه.
يدخلنا دي سيكا منذ المشاهد الأولى في أجواء روما الكئيبة والموحشة وبؤس العاطلين عن العمل من خلال حافلة تنقل مجاميع من الباحثين على فرصة عمل يحتشدون على سلم البناية، عدا أنطونيو الذي انتبذ بعيداً، ويخبرونه بأنه هو من فاز بالوظيفة، فيهرع إلى زوجته ليخبرها بالخبر السار، نفذ دي سيكا مشاهده الافتتاحية بلقطات طويلة، معتمداً على إضاءة طبيعية في الهواء الطلق، محركاً مجاميع الممثلين، الذين لم يمثلوا قط بطريقة تنم عن اليأس والقنوط وهم ينظرون بحسد لبطلنا، وهذه المشاهد التي هي خلفية "للتترات"  تنساب بإيقاع بطيء وأحياناً يكون مملاً، لكن رؤية المخرج وكاتب السيناريو سيزاري زافاريتي لا تميل إلى المونتاج  .
 اختتم دي سيكا فيلمه بواحد من المشاهد التراجيدية، التي تعد نقطة تحول كبرى في الفيلم، اذ لا يملك من يشاهدها، إلا  التعاطف مع هذا البائس الذي خسر كل شيء، فالمدينة صلدة وقاسية والأثرياء يربحون دائماً، بينما الفقراء خاسرون على بساطة متطلباتهم، فبعد أن ينتابه شعور بالغبن، يقدم على سرقة دراجة ويهرب في شوارع روما، فتلاحقه الكاميرا ويطارده المارة ، والكل يصرخ  "امسكوا اللص" فيلحقون به ويمسكونه ويشبعونه ضرباً وإهانة ويصرخ الطفل ويمسك بيده وهو "ينشغ" فيلين قلب صاحب الدراجة ويخلي سبيله، لينضم إلى حشود العاطلين والبائسين، هذا المشهد الذي أبكى الملايين، وكسب تعاطف النقاد وصناع السينما، أهله للفوز بجائزة الأوسكار الفخرية.