فيلم {سعاد}.. عمق التناول وحساسيته الخاصَّة

الصفحة الاخيرة 2022/03/09
...

  صفاء الليثي
 قطعت أيتن أمين شوطاً أحسبه كبيراً بين عملها الطويل الأول " فيلا 6 " وبين سعاد على مستوى الأسلوب السينمائي الذي وصلت فيه إلى التعبير بأسلوبها الخاص عن أزمة سعاد وكل سعاد في مصر، بعد أن تشربت سينما جيل الواقعية الجديدة الذين أهدت لهم فيلمها في نهاية العمل، إذ كتبت إلى محمد خان، وعاطف الطيب، ورأفت الميهي، وخيري بشارة ، وداود عبد السيد، وتميز أيتن ظهر في اختيارها للفتيات اللاتي قمن بأدوار سعاد، بسنت أحمد، وأختها رباب بسملة الغايش وباقي الفتيات بتنوع الشخصيات المعبرة عنهن
لم أندهش لتصنيف الفيلم بأنه تسجيلي، فنحن لا نلمح ممثلات معروفات، ولا وجوهاً ملطخة بالمساحيق، ولا إضاءة للصورة تزوقها أو تزيفها، تتحرك الكاميرا اليدوية بحرية بين الشخصيات في حركتها العادية وتتحدث بطبيعية تنسينا أن هناك من كتب الحوار، ومخرجاً وجه الجميع بالأداء، صور الفيلم  ماجد نادر ولا أظنه من مديري التصوير المعروفين في السينما السائدة، وبهذه الأدوات من ممثلات بأداء طبيعي، وبكاميرا حرة، وإضاءة طبيعية، حققت أيتن أمين فيلماً مستقلاً وأسلوباً خاصاً بها أزعم أنه تجاوز جيل الأساتذة الذين أهدتهم عملها. 
تعيش سعاد ما يشبه حلم يقظة مع الشاب أحمد المدون على شبكة التواصل، هي في بيئتها المتوسطة الفقيرة، وهو في الإسكندرية من طبقة وسطى أعلى قليلا من طبقة سعاد، التي عمل أبوها موجهاً بالتعليم في دولة الكويت ثم عاد، سعاد كفتاة مصرية لا تريد أن تتحجب، ولكن طبقتها تفرضه عليها، ورغبتها في أن تبدو كفتاة مؤدبة، ولكنها تزيحه عند مقدمة الرأس،  بحيث يظهر شعرها في اختلاف عن حجاب الأم، وباقي السيدات ممن تقابلهن في الميكروباس، في ما رفض أحمد الشاب العصري العمل بشهادة تخرجه في الهندسة،  مركزاً عمله في فيديوهات شبكة التواصل، وله صديقة جميلة اسمها يارا،  لكن أمه تختار له عروساً ثرية، ويذهب مرغماً لحضور ما يشبه التعارف بغرض الزواج، الذي هو أشبه بزواج الصالونات.
قسمت أيتن أمين فيلمها إلى ثلاثة أجزاء: الأول يبدأ بسعاد في مشاهد متتابعة تثرثر في الميكروباس مع سيدة مرة، ومع فتاة أخرى مرة، مدعية أن لها خطيباً وستتزوج عن قريب، وينتهي بها وقد اختفت من الشرفة، وتتبع المخرجة الرأي القائل أن الفيلم يصنع من المشاهد المخفية فيه، فنحن لن نشاهد مشهد سقوطها من الشرفة، وستذهب رباب لتشرب تصحبها الكاميرا في زمن واقعي وتعود فلا تجد سعاد، وقطع على نواح السيدات وهن بملابس الحداد، وفي القسم الثاني المعنون رباب، نشاهد تماسكها، وهي التي كانت سر أختها وصديقتها المقربة، ومحادثة هاتفية تؤكد فيها الأم أن التقرير أثبت أنها كانت عذراء، يبدو الأب منكسراً ويرغب في مشاهدة صور ابنته على محمولها الذي بحوزة رباب الآن، صور عادية  مع صديقاتها، لا مفاجآت ولا ميلودراما من أي نوع ، ثم الجزء الثالث المعنون أحمد الذي يبدأ بتلقيه مكالمة فيخرج على عجل ويقابل رباب التي تبلغ سن 17 عاماً وتخبره أنها ستعطيه شيئاً تركته سعاد له، تخالف المخرجة وفريق عملها كل الأنماط السائدة والصور النمطية عن استغلال الشباب للفتيات، أو دفعهن للانحراف، لا استغلال ولا انحراف، ولكنه سوء تفاهم، ناتج عن اختلاف قيم وعادات بين شريحتين من الطبقة الوسطى، طبقة أسرة سعاد ورباب، وطبقة أسرة أحمد، قرار الأخت أن تقابل حبيب أختها وتمضي معه يوما بالإسكندرية، يحيلني إلى فيلم دعاء الكروان، هل تريد رباب أن تنتقم لسعاد بجعل أحمد يحبها؟، حتى هذا التشابه مختلق مني وليس هناك ما يؤكده، وتستمر المخرجة في تعميق أسلوبها، فتحذف المشهد الذي تصارح فيه رباب أحمد بأن أختها سعاد انتحرت. وترسل له عبر البلوتوث رسالة من سعاد، أغنية تغنيها له، امتنعت عن إرسالها وتقول بدلال سأرسلها " لما يجيلي مزاجي" نسمع غناءها والرسالة وظهره للكاميرا وقد ركبت رباب سيارة الأجرة التي تعود بها إلى القاهرة.
 اختير فيلم "سعاد" للعرض في دورة مهرجان كان التي ألغيت وكان الفيلم قد حصل على منحة تطوير من مهرجان الجونة العام 2020،  ولم يعرض بالقاهرة لنشوب خلافات بين منتجيه الأصليين، الكيان المستقل فيج ليف وبين كاتب سيناريو الفيلم، النسخة التي شاهدت الفيلم منها ليس بها سوى اسم المخرجة وأسماء فريقها التقني: ماجد نادر في التصوير ومونتاج خالد معيط، والمنتج المنفذ، والمخرج المنفذ مراد مصطفى صاحب فيلم "مريم" ، و قبله "حنة ورد"، وبعده "خديجة"، فهو مخرج واعد ننتظر عمله الطويل الأول، والممثل حسين غانم في دور أحمد، والممثلتان بسنت أحمد، وبسملة الغايش أفضل ممثلتين في فيلم روائي عالمي بمهرجان ترايبكا. 
ومن المفارقات أن مصر شهدت في الشهور الأخيرة حادثتي انتحار لفتاة في الشرقية وأخرى في الدقهلية، وقيل عن السبب إنه ابتزازهما بصور خاصة أرسلتاها لشباب، وكان هذا التناول الإعلامي للحادثتين وكل هدفه التشويش على أي معلومات صحيحة وحماية الأسر من الاتهام بسوء تربية الفتيات. وبالرجوع إلى فيلم "سعاد" أجده قد وصل إلى حقيقة أن الأمور لا تجري كما تصور في الإعلام، فالشاب أحمد ليس مجرماً ولم يعتد على الفتاة ولم يفقدها بكارتها، إنه سوء التفاهم وانعدام القدرة الحقيقية على التواصل.