السياسة وعنصريَّة الحرب

الرياضة 2022/03/10
...

علي حسن الفواز
 
يبدو أنَّ  عالمنا المعاصر فقد  ذاكرته، وأنَّ ما تصنعه الحرب هو البحث عن تلك الذاكرة المفقودة، بعد أن تيقن الكثيرون أنَّ الحداثة التي بشّرت بالسلام والديمقراطيَّة والحرية، ستُنقذ البشرية من كوارث الاستبداد والعنف والكراهية والعنصرية، وهي ظواهر ليست بعيدة عن الثقافة والسياسة والايديولوجيا، وربما ليست بعيدة عن الحداثة نفسها بوصفها مفهوماً قريناً بالمركزيات المهيمنة، بما فيها مركزية القوة والهوية واللون.
ولعلَّ ما ورد في الحديث التلفزيوني لمرشح اليمين لانتخابات الرئاسة الفرنسية اريك زمور يكشف عن خطورة هذا الفقد، وغرابة المواقف والسياسات التي بدأت ترافق تداعيات الحرب في أوكرانيا، فالرجل يُعيدنا إلى ثنائية الفيلسوف هيغل عن "السيد والعبد" لتوقظ بذلك ذاكرة استعمارية مبادة، قد تُحفّز قوى اليمين والعنصرية في أوروبا على استعادة خطابها، وعلى إعادة إنتاج مظاهر العنف الانثربولوجي والسياسي.
يقول زمور إنه يُفضّل هجرة المسيحيين البيض، على هجرة العرب والمسلمين إلى فرنسا، وإنه من المؤيدين لاستقبال النساء الأوكرانيات مع أطفالهن حصراً، على سبيل "الاستيعاب الثقافي" بحمولته العنصرية، وكأنه بهذا التوصيف يرسم خارطة ديموغرافية وجنسانية للغرب الجديد، الذي فشل في أن يجعل عولمته إنسانية، وحداثته صالحة للاستخدام العمومي. هذه التصريحات وغيرها ذات الطابع العنصري، تفتح جدالاً بشأن إشكاليات التعايش، والحقوق والحريات، وعلاقة ذلك بالضمانات الدولية، وبقدرة الأمم المتحدة ومؤسساتها على معالجة آثار الحروب والانتهاكات الإنسانية التي تحدث هنا أو هناك، والتي قد تشهدها دول جديدة، في أوروبا أو غيرها، أو ربما في معالجة ملف تايوان من قبل دولة عملاقة مثل الصين. فكيف سيكون الرد الغربي والأميركي؟ وهل ستعالج الأمر بمنظور جنساني لعقدة الهوية، أو إلى اصطناع فضاء جيوسياسي افتراضي غير الموجود في أوروبا؟
موقف زمور ليس ابتداعاً في السياسة الأوروبية، فهو لا يعدو سوى علامة للمخفي من قوى التطرف، واستعادة بعض أشكالها في السيطرة، وباتجاه إخضاع "النظام العالمي" إلى معيار جنسوي، تسقط فيه القيم الإنسانية مقابل صعود العنصرية بوصفها تمثيلاً ثقافياً للهيمنة، وللنمط المتوحش من الحداثة المسلحة.