المحظوظ

الصفحة الاخيرة 2022/03/11
...

جواد علي كسار
 
اسم آخر أضافته أزمة أوكرانيا إلى قائمة المحظوظين في هذا العالم؛ أقصد به ألكسندر دوغين. فهو صاحب الحظوة والموقع المكين عند الرئيس بوتين، وهو مستشاره الأمين، أبواب الكرملين مشرعة أمامه، يدخل إليه أنى شاء في الليل والنهار، وهو المفكر والفيلسوف والمنظر، والعقل الذي يفكر به بوتين!
هو من كان وراء احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014م، وهو المخطط لـ«غزوة» أوكرانيا الحالية، على وفق طريقة: «عودة الفرع إلى الأصل»، أو وفقاً للنظرية السياسية الرابعة، وستراتيجية الأوراسية الجديدة، بحسب أشهر كتب دوغين نفسه!
لقد أشاعوا عنه في المنطقة لاسيّما في الإعلام الجامح ثورياً، وفي وسائل التواصل المناصرة لروسيا وحرب بوتين، مقولة خطيرة، زعموا أنه قال فيها نصاً: «نعم أنا من يخطّط، وبوتين يُنفّذ»! وأخشى ما أخشاه، أن يقوم أحد «الخبثاء» من أنصار الغرب والليبرالية 
والسوق الحرّة، بترجمة المقولة وإيصالها إلى القيصر بوتين، وحينها سنكون أمام خبر فاجع، مؤدّاه أن دوغين خسر حياته في حادث مؤسف، على غرار ما حصل مع سلف له يشبهه في الشكل والزيّ وخصلة العناد؛ هو المدعو غريغوري ايفيموفيتش المشهور براسبوتين قبل مئة 
عام من الآن، أو نسمع خبر نفيه إلى معسكرات سيبريا، بالحكم عليه مؤبداً مع الأشغال الشاقة!
لا أقصد أن أنفي عن دوغين تأريخه الثقافي ونشاطه الاجتماعي والسياسي، ولا أن أستخفّ بكتاباته التي تزيد على العشرين كتاباً، وأضعاف أضعافها من البحوث والمقالات والمحاضرات، فتأريخ الرجل لم يبدأ مع أزمة أوكرانيا الحالية، بل يعود إلى ثلاثة عقود مضت وأكثر، إنما الغاية هي الإشارة إلى ذهان السهولة الذي ننساق وراءه في التعامل مع حوادث مركبة، وراحتنا في تيار من الإقليم العربي ـ الإسلامي، إلى ثقافة الدعة والكسل العقلي، لكي نتجنّب مشاقّ التحليل الاجتهادي المعمّق، ونسترخي أمام المقولات الجاهزة!
لا ريب أن دوغين نفسه غذّى هذا المنحى، وهو البارع في مناغاة رغبات الآخرين، وإسماعهم ما يريدون سماعه؛ فعل ذلك مع العرب ومع الإيرانيين في زياراته المتكاثرة إلى إيران، ومعنا عندما زار العراق، ولذلك قصة أخرى!