العمل الأسطوري

آراء 2022/03/13
...

 ريسان الخزعلي
 
يحصل أحيانا ً أن نصف بعض الأحداث والشخصيات بأنها أسطورية، ومثل هذا التوصيف يُشير إلى غرابة الأحداث التي تحققت في زمنٍ ما، وكذلك طبيعة الأشخاص الذين قاموا بأعمال نراها خارقة وتفوق الإدراك.
إنَّ الانسان حين تضيق بهِ مستقرّات الحياة وتعارضاتها، يشاغلهُ الحلم كثيراً، عسى أن يتحقق فعل إسطوري من أجل الخلاص وتحقيق طموحاته الحياتية، التي يصبو من خلالها في الحصول على وجود أنقى وحياة أرقى وإنسانية أنقى. ولا يفوتنا الإشارة إلى الحكايات الغرائبية أيضاً التي يستحضرها الانسان لحظة اشتداد أزمته الوجودية، وهنا لا بدَّ من التفريق بين الاسطورة والحكاية. الإسطورة ترتبط بأخبار وأفعال الآلهة وأنصاف الآلهة وطبيعة الخلق والتكوين وإصول الأشياء والموت والعالم الآخر، في حين ترتبط الحكاية بأخبار الملوك والأمراء والشخصيات، مع الملاحظة إنَّ الاثنين مجهولتا المؤلف.
في معجم علم الاجتماع، يكون التوضيح أشمل وأوسع . فالإسطورة، هي معلومات قصصية منظّمة تدور حول المعتقدات الميتافيزيقية وأصول الكون وتاريخ الشعوب. وإنَّ وظيفة الإسطورة لأبناء المجتمع هي تسجيل وعرض النظام الأخلاقي، الذي بواسطته يمكن تنظيم وتشريع المواقف والأفعال الاجتماعية. أما علماء ومفكرو الانثروبولوجيا، فقد اعتقدوا بأنَّ الأساطير هي جزء لا يتجزأ من النظام الاجتماعي الشامل، ولايمكن عزل الأساطير عن المجتمع، لكونها علامات وعبارات تصف الحقيقة والواقع وتعكس المعتقدات وتربط الكلام بالحدث. ومن استدراكات هؤلاء العلماء: لا يمكن تصديق ما تدّعيه الأساطير من قصص وحكايات ومعتقدات تتناقض مع الجانب العلمي والمنطقي للعقل السليم. ومن توصلاتهم أيضاً، بعد أن جمعوا الكثير من الأساطير ولمجتمعات مختلفة، فقد وجدوا بأنَّ جميعها متشابهة من ناحيتي الفحوى والمعنى، وإنها لا تستطيع وصف السلوك الاجتماعي المتعلق بالعالم المادي أو العالم الحقيقي الذي نعيش فيه الآن.
ما تطمح إليه هذه الإشارات عن الاسطورة والعمل الاسطوري، ما هو إلّا محاولة تعكس ضيق الانسان في المجتمع الذي يُغرّبه ويبعدهُ عن تحقيق أحلامه في الوجود والاستقرار الحياتي؛ وهكذا يتداعى ويستعيد لا شعورياً الفعل الا سطوري كلما حاصرته الأزمات وضاق به الأفق، ممنّياً النفس بفعل شبه اسطوري في الأقل، كي يمسك خيطاً قد يوصلهُ إلى مستقرٍ أكثر طمأنينة، وما أحوجنا إلى مثل هذا الفعل...، إنها أمنية الحالمين والمستغرقين في 
الصحو.