{الصرخة} وتقنيات الميتا سينما

الصفحة الاخيرة 2022/03/13
...

 أشواق النعيمي
 
 يُستهل المشهد الأول بكشف القواعد الأساسية للعبة الرعب الدرامية من خلال أسئلة تتعلق بالأجزاء السابقة، وتتمركز ذاتياً حول أبرز شخوصها وأحداثها وترتبط مباشرة بحياة الضحية المفترضة، ثم تتوالى قواعد السلسلة على ألسنة أبطال الفيلم أمثال "ديوي" ضابط الشرطة في الجزء السابق والمتقاعد في الجزء الحالي، الذي يؤدي دوره "ديفيد أركيت "، وتتداخل تلك القواعد زمنياً وعاطفياً مع محيط الضحايا، وتستند إلى فكرة الالتباس الدرامي بين الأجزاء السابقة والجزء الأخير.
يطرح الفيلم نفسه بوصفه إعادة إنتاج مبتكر، بني استناداً إلى النسخة الأصلية وبأسلوب لا يخلُّ بالهوية الثابتة لأجزاء الصرخة، وتقديم الشخصيات القديمة بهيئة جديدة أكثر فاعلية وتشويقاً على غرار أشهر سلاسل الأفلام الهوليوودية مثل " Halloween  " " Gurassic Park "  Star Wars" " وغيرها . مسلطاً الضوء على دور جمهور سلسلة الصرخة، بوصفه المؤلف والمنتج وصاحب الكلمة الفصل في كتابة السيناريو وتوزيع الأدوار والإخراج النهائي للفيلم، رغم ظهور "جيل" مؤلفة كتب التنمية الذاتية وكاتبة العمل من الجزء الرابع، التي تقوم بدورها " كورتني كوكس"، ترفض "جيل" تدوين الأحداث باعتبارها نصاً مفروضاً في محاولة ديناميكية لملاحقة الجرائم ومنع حصولها ومسك خيوط العمل لإعادة كتابته، وفقاً لتصوراتها الشخصية، واستباق التسلسل المشهدي في مسرح الأحداث، استناداً إلى الأجزاء السابقة لوضع النهاية التي تتناسب مع حلقة التطورات الراهنة، وتنوه الكاتبة في حوار مع "سام" بطلة الفيلم، التي لعبت دورها " ميليسا باريرا " بعدم قناعتها بالسيناريو الحالي للنسخة، وأنها لن تكتب ما يحدث، وحين سألتها "سام" بطلة الفيلم عن مصيرها في روايتها البديلة وهل ستكون بخير؟ أجابتها، في النهاية نعم، هذا الحضور ولّد نوعاً من الصراع الوجودي بين مؤلفة العمل والجمهور الرافض للجزء الأخير، مبرراً عدم رضاه عن النسخة الأخيرة لخروجها عن إطار الرعب الملتبس بالأجواء الرومانسية، التي ألفها الجمهور وارتبطت بذاكرته لسنوات طويلة، فاحتشد الجمهور لمناهضتها والسعي لرفعها من مواقع العرض.
 يختزل الجمهور بشخصيتي القاتلين الشابين اللذين يتوليان مناقشة وجهة نظرهما حول الفيلم، فتبرز خطورة الخيال الفكري الشبابي، المتأثر بتلك النوعية من الأفلام ودوره في افتعال الأزمات وجر الشخصيات إلى مسرح الحدث وترتيب أدوارها وتسلسل ظهورها الدرامي بالأسلوب الذي يتناسب وتلبية طموحاته.
راهن صنَّاع الفيلم على أساليب الميتا سينما في نجاح النسخة الخامسة، ومن تلك الأساليب التعالق بين ما هو واقعي وتخيّلي في العديد من المشاهد، وإحالة بعض اللقطات على ذاكرة البطلة المشوشة الموهومة، بسبب تعاطي المخدرات لفترة طويلة، فيرى المشاهد شبح والدها بصورة مشوهة وهو يرافقها، موجهاً ومحذراً وأحياناً محرضاً على ارتكاب الجريمة، فيخلق عند المشاهد بعض العلامات الاستفهامية، التي تتأرجح بين الشك والاستبعاد تجاه تلك الشخصية، اتكالاً على اللقطة المعروضة المعززة بماضيها وتاريخها الوراثي.
رغم أن اللغة السينمائية تعتمد في الأساس على الصياغة البصرية باعتبارها وسطاً مرئياً، نلاحظ اتكال الجزء الأخير من السلسلة على الحوارات الجماعية لأبطاله كوسيلة مكشوفة لتقويض الهيكل المنطقي للفيلم، ومحاولة فك شفراته وكشف دوافع القاتل والربط بين الضحايا وتسلسل فصول السيناريو، وتوقع كاتبة العمل لمسرح الجريمة القادم وفقاً لخبراتها السابقة وإشراكها في حوار مباشر مع الشخصيات المؤدية لأدوار القتلة والضحايا، في خلط مربك بين ما يحدث آنياً وما حدث خيالاً سينمائياً.
وفي الختام أستطيع القول إن المقياس الواقعي لنجاح أي فيلم يرتبط بإيرادات شباك التذاكر، إذ يبدو أن النسخة الخامسة من الفيلم قد حققت أرباحاً طائلة، إضافة إلى نسب التقييم العالية للنقاد والمشاهدين، خاصة أن السلسلة تعد الأشهر في تاريخ أفلام الرعب في السينما العالمية.