علي حمود الحسن
شاهدت قبل أيام نسخة نظيفة من فيلم "بيوت في ذلك الزقاق" (1976) للمخرج قاسم حول، سررت بها كثيراً، خصوصاً أن معظم النسخ المتاحة غير صالحة للمشاهدة، وتتأتى أهمية هذا الفيلم من كونه لا يشبه الأفلام العراقية الأخرى، موضوعاً وأسلوباً وجسارة الطرح، فهو استثناء في تناوله ظاهرة استغلال الأسر الفقيرة من خلال العمل في البيوت، وكذلك كشف ظاهرة فساد المسؤولين وتحالفهم مع أصحاب رؤوس الأموال، فضلاً عن البطالة وامتهان الإنسان، هذا من ناحية الموضوع، أما على صعيد الأسلوب والمعالجة، فالتجأ المخرج إلى الممازجة بين الوثائقي والروائي لإيصال فكرته، ورغم أن سلطة البعث أرادت أن تجيّر الفيلم لصالحها، إلا أن المخرج رفض ذلك، إذ غادر العراق سراً، وتم تعديل الفيلم وحذف مشاهد كثيرة منه.
الفيلم مقتبس من رواية قصيرة بعنوان " زقاق بيت الأقنان" لجاسم المطير، كتب السيناريو له قاسم حول ومثَّل فيه نزار السامرائي وسعدية الزيدي ومكي البدري وطعمة التميمي وجمال أمين وهناء محمد وسعاد عبد الله، وأدار تصويره حاتم حسين ومنتجه أحمد متولي، بينما وضع الموسيقى التصويرية له عبد الأمير الصراف، وأنتجته المؤسسة العامة للسينما والتلفزيون.
يحكي الفيلم قصة العمل الرأسمالي في البيوت (استغلال أصحاب المصانع لتوزيع المواد الخام بين الأسر الفقيرة لتصنعها بأبخس الأسعار)، وهذا ما حصل في محلة "العماري" التي تقع وسط بغداد في حافظ القاضي بالقرب من شارع الرشيد، إذ يعمل أهلها في لف السجائر وتعبئة العطور والحلويات والفوط، ويستغل أصحاب المصانع الفتيات والقاصرين، الذين يسكنون في بيوت آيلة للسقوط يملكها أبو مهند (يعقوب الأمين) أحد الجشعين الذي يدير أعمالاً مريبة، ويحاول تهديم البيوت وبناءها من جديد لاستئجارها بسعر أعلى، وهذا الأمر لا يناسب صاحب المصنع مجدي (عبدالجبار كاظم) لأن تهجير أبناء العماري معناه نهاية مشروعه، الذي يدر ذهباً، ويثير الصحفي باسم (نزار السامرائي)، الذي يعمل على تغطية تهاوي وسقوط بيوت العماري، أكثر من تساؤل ويربط بين استغلال أصحاب المصانع لهذه الأسر وبين رجال الأمن والصحافة في منظومة فاسدة مستشرية، ما أثار حفيظتهم، فدبروا له عملية اغتيال، لكن الشعب يثور على هذه الطغمة وينهي كل هذا الخراب.
صور "بيوت في ذلك الزقاق" بوجود رجل أمن وبإشراف من طارق عزيز وعبد الأمير معلة، اللذين غالباً ما يواجهان المخرج بطلبات، منها إلغاء مشاهد أو تحوير في بنية القصة، فمثلاً أصرا على أن يكون الصحفي بعثياً، والاجتماع الحزبي يشير إلى ذلك من خلال الحوار، لكن المخرج رفض ذلك على الرغم من الضغوطات، وبحسب حول فإنهما "حاولا إغراءه بعطايا ووظيفة واعتبار الفترة التي خرج بها من العراق ضمن الاستحقاق الوظيفي، ورتبا له موعداً مع صدام، لكن وصول جورج حبش الأمين العام للجبهة الشعبية، أنقذ قاسم من الإحراج، إذ هيأ له جواز سفر ليبياً، طار فيه إلى رحاب الدنيا، ولم يعد إلى العراق، إلا بعد زوال الدكتاتورية، المفارقة أن الفيلم تم تعديله وفقاً لرؤيتهم على يد المخرج محمد شكري جميل مثلما جاء في كتاب عن الفيلم أصدره حول في تونس.