هوس عمليات التجميل!

اسرة ومجتمع 2019/03/16
...

عالية طالب
راجعت  مكتب الخطوط الجوية العراقية لتثبيت حجز سفر، وبعد ان اكملت  الموظفة فيه اتصالاتها وزودتني بالمعلومات انبرت لتعرض علي تبديل سفرتي والالتحاق بها ضمن كروباتها التي تنظمها لزيارات سياحية ودينية لسوريا ولبنان .. فاجأني عرضها وافهمتها ان سفرتي للعمل وليست للسياحة فأصبحت خبيرة تجميل لتؤشر لي ما الذي يحتاجه وجهي من عناية ، وانها تصطحب النساء لبلدان تختص بانواع معينة ، ايران لتجميل الانف وسوريا لنحت الجسم وشفط الدهون ولبنان  لتصليح ما افسده الدهر في الوجه والرقبة ، حتى ان ابن واحدة من رفيقاتها حين جاء لاستقبالها سألها هل ذهبت للزيارة أم لاجراء عملية تجميل؟
مراكز متعددة انتشرت في كل العراق كلها تعيد الشيخ الى صباه ، اذا لم يعد الامر مقتصراً على المرأة، فقسم الرجال في كل تلك المراكز لا يقل عدده عن النساء  وقدرتهم على دفع المقابل اقوى من حصة النساء والكل في سباق لتعداد كم عشر سنوات ستختفي من عمر الزبون.. وكم سيعود شعره ليخفي صلعة السنوات واذابة الكرش المتهدل !
هذا الامر المستشري تقابله خديعة واستغفال لا يقلان في اضرارهما عن تأثيرات هذا الهوس، اذ يعمد بعض صالونات التجميل الى حقن الوجه بالماء والملح وهو ما يتسبب بتورم يستمر لبضعة اسابيع، فتعتقد المرأة ان وجهها الممتلئ يؤشر نجاح ما فعلت حتى اذا انتهى الوقت عاد الوجه الى وضعه السابق مع الآثار السيئة التي يمكن ان يتركها حقن السائل الملحي من التهابات داخلية لطبقات الجلد.
حكايات لا تنتهي مع الشفة المتورمة  المتحجرة جراء الفلر المضروب والوجه المسحوب الى جهة اليمين او الشمال واختفاء الملامح حتى اصبحت وجوه الجميع بنسخة واحدة وكأنهن ملصقات لوجوه مشوهة تصرخ بما فعلنه فيها ، فيما الابتسامة الحقيقية اختفت تحت وقع الشد الذي يجعل الحروف تنطق بصعوبة وكأنهن تحت تأثير مخدر مستمر.
أين وزارة الصحة وشؤون البيئة  والداخلية التي تمنح الاجازات؟ واين الرقيب على المواد الداخلة في تلك العمليات؟ واين حماية حقوق الزبون فيما لو تسببت تلك العمليات باضرار لا يمكن معالجتها؟ واين يكمن الخلل؟ هل هو في الفراغ الذي يعيشه المجتمع غير المنتج أم في مستوى ادمان ثقافة الاستهلاك الاعلاني التي اصبحت بوابة لسحب جيوب ووجوه وارداف الرجال والنساء الى صالاتها غير المستوفية للشروط الصحية 
 المطلوبة.
نعتقد ان دور الاعلام هو المحفز للجنسين ، واغلب الفضائيات تخصص برامج تتعلق بعمليات التجميل وتروج لبضائع ومستحضرات لا تخضع لرقابة السيطرة النوعية وهي تدخل البلد حتى وان كانت منتهية الصلاحية، فانها ستجد من يشتريها اعتماداً على اغراء رخص اسعارها وتغيير مواعيد الانتهاء.. الاعلام الذي يحقق  ربحاً على حساب الانسان لا يحق له ان يقول عن نفسه انه اعلام يتمتع بمهنيته او احترافه للمصداقية ولا يمكن للحالة ان تتضح ابعادها في ظل الترويج دون التنبيه للمخاطر ودون تثقيف المجتمع بالآثار النفسية والخسائر المادية والاضرار الصحية التي تنتج عن عمليات تجري بعيداً عن الاشتراطات الصحية المطلوبة .