لكل واحد منا عقد ظاهرة او خفية ، فالبعض يجد نفسه بديناً جداً ،والبعض الآخر يعاني من مرض جلدي او آثار وحام او يكون خجولاً او غير لامع ..وقد يمر ذلك بشكل طبيعي خلال فترة المراهقة، لأنها مرحلة معقدة اصلاً ، اما في فترة البلوغ ، فقد يؤدي عدم الثقة بالنفس الى مشاكل متعددة مهنياً وعائلياً وعاطفياً خاصة بالنسبة للفتاة التي يهمها المظهر غالباً اكثر من أي شيء آخر
.متى تكون مشاكل الشابات الصحية سبباً في ضعف شخصياتهن ..ومتى يمكن بناء النفس على الرغم من وجود تلك المشاكل
الصحية؟.
التغلب على العقد
تنظر عبير (17 عاماً) الى رفيقاتها بحسرة حين تقام احتفالات طلابية ويرتدين مختلف الازياء والتصاميم الحديثة، بينما تضطر الى ارتداء نفس التصميم الذي لايناسبها غيره بسبب بدانتها المفرطة ..ولم تجد وقد لاتجد عبير حلاً لبدانتها، لأن سببها ليس الشراهة في الطعام او الكسل وقلة الحركة بل اختلال شديد في الهرمونات واحتواء جسدها على مايسمى ( هرمون الحليب) ..
وتتألم والدة عبير من شعور ابنتها بالتعاسة خاصة ان الفتاة في سن المراهقة تبحث عن هوية لها وتحتاج الى الاطمئنان باستمرار على مظهرها من خلال المحيطين بها ، فكيف الحال وقد استمرت مشكلة عبير ولاتزال تعاني منها وهي تخطو نحو سن الشباب، اذ لم تعد تعاني من سخرية رفاقها الصغار خلال فترة الطفولة بقدر ماتؤلمها نظرات الشباب اليها والعبارات الساخرة التي يسمعونها اياها احياناً ..وتقف عقدة عبير حائلاً بينها وبين التصرف بشكل طبيعي او التفكير في مستقبلها كاقرانها، اذ يرتبط التفكير في المستقبل لدى الفتاة الشرقية خصوصاً بالحصول على فرصة زواج مادفعها الى اهمال دراستها والميل الى العزلة والتفكير في الانتحار احياناً.وتخالف الدكتورة امل ابراهيم / المتخصصة في علم النفس في كلية الآداب في الجامعة المستنصرية عبير في آرائها، اذ ينبغي عليها احاطة نفسها بالصديقات بعد انتقائهن بعناية ، فالصداقة المبنية على الحب والتفهم تساعد المصاب بعقدة (سوء المظهر ) على تكوين نظرة مليئة بالتقدير والثقة وقد تساعده على المدى البعيد في تبديل نظرته الى نفسه ، كما تنصح ابراهيم مثيلات عبير باتباع طريقة الحوار للتغلب على المشاكل والتحدث الى شخص يكون اهلاً للثقة عن ذلك ( العيب ) الذي ينغص عليهن حياتهن ،فالافضاء بمكنونات النفس دون تردد او خجل لصديق حميم او فرد من العائلة سيقدم للمريض وجهة نظر صادقة او نصيحة شفافة ، اما اذا كانت العقدة النفسية مرتبطة بالشكل الخارجي فيمكن اللجوء الى اختصاصي تجميل لمساعدة المرأة على التفكير منطقياً بهذه ( الشائبة ) مالم يجد لها
حلاً طبياً .
مظهر وجوهر
واذا كانت هذه النصائح او الحلول مجدية للبعض فهي لاتعود بالفائدة على البعض الاخر الذي يعجز عن زيارة طبيب التجميل مثلاً، كما يحدث مع سمر التي بلغت حالياً مرحلة متقدمة في دراستها الجامعية لانها تجد فيها تعويضاً عن عقدة النقص التي تلازمها منذ شعرت باختلافها عن اقرانها بوجود (وحمة ) على هيئة لطخة حمراء كبيرة تظلل جانب وجهها ..وتعترف سمر بانها اتخذت من التفوق وسيلة ليتغاضى البعض عن الانتباه الى مظهرها لكنها لم تفلح كثيراً، فهي مختلفة عن رفيقاتها رغماً عنها وتنتقد سمر بشدة ضعف الوعي لدى افراد عديدين في المجتمع فهم ينظرون الى منظرها نظرة متخلفة دون المرور بتفوقها وتجد في عيون آخرين شفقة وتعاطفاً بدلاً من الزهو والافتخار بها، كما يؤلمها كثيراً عجزها عن ازالة هذا التشوه جراحياً بسبب انتمائها لعائلة كبيرة وفقيرة ..وتواصل سمر شق طريقها الدراسي بصبر بانتظار حل عقدتها جراحياً، متى ماتمكنت من ذلك او بالعثور على من ينظر الى جوهرها أكثر من
مظهرها . وتصف خبيرة التجميل فاتن حسين اسلوب سمر في مواجهة عقدتها بـ(التمتع بالثقة بالنفس ) وهو امر نادر بالنسبة لمن تمر بمثل ظروفها، مشيرة الى وجود فتيات عديدات يعانين من الوحدة وتتآكلهن العقد النفسية ويتخذن من وجود عيب في مظهرهن ذريعة لعجزهن عن الاندماج مع المجتمع في الوقت الذي تجد اخريات مثل سمر حلاً لها، اما بالتفوق في مجال ما او احاطة انفسهن بالاصدقاء مؤكدة وجود اساليب تجميلية حديثة متعددة لاخفاء العيوب بواسطة الماكياج وامكانية اعتماد الفتيات على انفسهن في ذلك ودون انفاق المال في مراكز التجميل اذا ما تجنبن طريقة استخدام الماكياج الكثيف لاخفاء العيوب، لأنها تأتي بنتيجة معاكسة واستبدالها بالتحايل في الالوان والازياء .
بينما تعود الدكتورة ابراهيم لتنصح الفتيات اللاتي يعانين من مشاكل صحية تتعلق بمظهرهن بعدم الاختباء خلف عقدهن النفسية والكشف عن طبيعتهن الحقيقية بما فيها من صفات حسنة او عيوب، لأن لااحد كاملاً ، مع ضرورة لجوئهن الى تنمية مواهبهن الجانبية والمجالات التي يشعرن ببروز عقدتهن فيها فقد تكون الفتاة متميزة في الدراسة او الرياضة او الفن او الطهي ،لكنها في النهاية يمكنها ان تتوصل الى جعل الاخرين يعكسون عنها صورة النجاح .
واخيراً، ومهما تفننت المرأة في صناعة مظهرها الخارجي، فان ذلك لايعبر عن صورتها الداخلية الحقيقية وهي الاهم والاصح في النظرة الجمالية للفرد ، فاذا كانت المرأة جميلة من الداخل فلاشيء يفقدها جمال مظهرها، اذ يمكن ان يصلح ( العطار ) عيوبها المظهرية لكن سلوكها وحده هو مايعكس جمالها الحقيقي .