كان لدى سامح سليمان ثلاثة أطفال بأعمار تتراوح من 8 الى 12 سنة حينما قررت زوجته العام الماضي تأكيد رغبتها بانجاب طفل آخر.
يقول سليمان، الذي يعمل بائعا للصحف في العاصمة القاهرة، بمكسب شهري يصل الى نحو مئتي دولار في شهر مبيعات جيّد: “أنا وافقت على طلبها لأن لدينا ولداً واحداً فقط وبنتين، بالتالي أردنا ولداً آخر. الآن، رزقنا بولد ذكر جديد، ولكن توافق مجيئه فقط مع حظنا بارتفاع ملحوظ جدا للأسعار.”
ويفضل المصريون العوائل الكبيرة العدد، لكنها تأتي على حساب تكاليف اقتصادية هائلة لكل من الآباء والبلاد. وفي محاولة منها لكبح جماح معدلات الولادة المتزايدة بشدة، أطلقت الحكومة المصرية برنامجا للتخطيط العائلي أطلقت عليه “اثنين كفاية”. وتريد السلطات اقناع ملايين الناس، من أمثال سليمان وزوجته، أنه مع انجابهم لأطفال أقل سيتمكنون من توفير حياة أفضل لهم، علاوة على تخفيف الأعباء على الدولة، التي تجاهد للايفاء بالمطالب المرتفعة للوظائف والخدمات.
ويقول عمر عثمان، وكيل وزير الرعاية الاجتماعية: “تشهد مصر ولادة طفل واحد كل 15 ثانية، ويضاف بذلك مليونان ونصف المليون طفل كل عام. لنفكر ما يعنيه هذا الأمر بمجال توفير مقاعد دراسية وأسرّة مستشفيات ولقاحات طبية وجميع الحقوق الأخرى للأطفال.” ويشير عثمان لتوقع بارتفاع عدد سكان البلاد بعشرين مليون آخرين على مدى العقد المقبلة .
ويتضمّن برنامج التخطيط العائلي حملات الملصقات واعلانات تلفزيونية، وزيارات منزلية يجريها موظفو الرعاية الاجتماعية والعيادات الطبية لتوزيع موانع الحمل. كما قررت الحكومة أيضا ايقاف منح بعض المساعدات للعوائل الفقيرة في حال انجابها طفل ثالث. ويقول عثمان ان الهدف هو تقليص معدلات الانجاب من 3,5 أطفال لكل امراة الى 2,4 طفل بحلول 2030، واذا تحقق هذا الأمر فسيعني ثمانية ملايين ولادة أقل على مدى العقد المقبلة . .
طموحات وصعوبات
وبرغم النمو الاقتصادي الذي بلغ 5,5 بالمئة سنة 2018، أخفقت مصر بخلق أكثر من 800 ألف وظيفة مطلوبة كل عام لامتصاص الداخلين الجدد لسوق العمل، مع ان مؤشرات الاقتصاد الكلي قد تحسنت، ونيل مصر الثناء من صندوق النقد الدولي للاصلاحات المنفذة. غير أن بعض المصريين يجاهدون للعيش مع دخول مالية صغيرة للغاية مع ايقاف الاعانات الحكومية وارتفاع الاسعار الهائل. ويقف مؤشر البطالة بنسبة عشرة بالمئة، ويتضاعف لدى الشباب؛ وتحتاج الخدمات الأساسية المتداعية، مثل الصحة والتعليم، الى استثمارات ضخمة لتلبية الطلب الحالي، ناهيك عن ضغط طلبات لأعداد السكان المتزايدة بسرعة، بحسب المحللين.
وكانت مصر قد أدارت مسبقا بنجاح برنامجا للتخطيط العائلي، ساعدت على تخفيض معدل الولادة الى 3,1 اطفال لكل امرأة سنة 2008 من 5,6 أطفال في 1976؛ لكن عندما انتهى البرنامج المموّل من قبل الولايات المتحدة سنة 2008، رجع معدل الولادة للازدياد. ويقول المسؤولون بتصاعد النمو السكاني بسرعة بعد ثورة 2011 عندما كانت الحكومة تعاني من فوضى وتمكن الاسلاميون من فرض سطوتهم السياسية لفترة من الزمن.
وبمعية مانحين دوليين آخرين، جددت الحكومة الأميركية دعمها للبرنامج الجديد بمبلغ يناهز العشرين مليون دولار. وتقول نهلة عبد التوّاب، مدير مكتب مصر لمجلس السكان، وهي منظمة أبحاث دولية، من المهم تأمين “استدامة” البرنامج لأجل عدم ارتفاع معدل الولادات مجددا مع نضوب التمويل. هذا الحال، كما ترى نهلة، يمكن تحقيقه من خلال ادخال معلومات التخطيط العائلي في المدارس الثانوية لأن بعض الفتيات يتزوّجن مباشرة بعد تخرجهن.
تقاطع الثقافة
لكن ضمن بلد محافظ، تتحلى الحكومة بالحذر حيال التعليم الجنسي. تقول نهلة: “هذا الأمر لا يتعلق بالتعليم الجنسي، فينبغي على المدارس الحديث عن التخطيط العائلي، ومزايا العائلة الصغيرة والمخاطر الصحية لمرات الحمل المتقاربة والانجاب بسن مبكرة. ينبغي اخبار الطلاب بوجود طرق لمنع الحمل يمكنهم استعمالها عندما يتزوجون، لأن أكثر من ستين بالمئة من الفتيان والفتيات لا يعلمون شيئا حول طرق التحكم بالانجاب.” وترى الخبيرة المصرية أيضا ان توسيع توظيف الاناث يمثل أمرا حاسما لتخفيض معدل الولادات، كما هو شأن تعليم المساواة بين الجنسين كي لا تظل العوائل التي لديها بنات تسعى وراء انجاب الصبيان.
ويشير الباحثون الى أن العائلة ذات عدد الأولاد الكثيرين تشعر بالزهو والتباهي، وفي بعض المناطق الريفية، يوفرون الأولاد أيدي عاملة اضافية في الحقول الزراعية. ويتعّرض الجدل حول ضرورة انجاب عدد أقل من الأطفال كي يتسنى لهم نيل تعليم أفضل الى التقويض انطلاقا من حقيقة مجاهدة خريجي الجامعات في ايجاد وظائف بينما يمتص الاقتصاد غير الرسمي الكثير من العمالة غير الماهرة.
وبالعودة الى سليمان، فجهود الحكومة، وبضمنها تقليص المساعدات بعد الطفل الثاني، ليست مقنعة، فهو يبقى متفائلا حيال الآفاق المستقبلية لعائلته: “لا شك في ان كل شيء مرتفع السعر، وما تمنحنا الحكومة يعد قليلا للغاية، وبوسعهم فرض المزيد من الضغوط علي، لكن ما يردني من مال هو شيء يقدره الله.”
مجلة اوزي الأميركية