سامر المشعل
هناك الكثير من الأسماء والطاقات الإبداعية التي لم تنل استحقاقها من الاهتمام وتسليط الضوء على منجزها الإبداعي ومنهم من له موقف من الحياة والنظام السياسي، وبسبب مواقفهم المبدئية، حوربوا وغيبهم الإعلام، فاضطروا للهجرة ونَأوا بأنفسهم بعيداً عن سطوة السلطة وترفعوا عن أن يكونوا أداة بيد النظام الدكتاتوري.
وبسبب اضطراب الواقع السياسي الذي رمى بظلاله الثقيلة على الحياة الفنية والثقافية ابتعد الإعلام عن الكثير من الطاقات الإبداعية عن قصد وبتوجيه سياسي أو مزاج المسؤول أو سوء حظ الفنان، وظلت نتاجاتهم في العتمة ولم يسلط عليها الضوء الإعلامي حتى بعد سقوط النظام الدكتاتوري. الأمر الغريب أن عدداً من هؤلاء الفنانين ما زالوا على قيد الحياة ومع ذلك لم يراودهم الإحساس بالرضا بأن ما قدموه للوطن والناس لم يذهب أدراج الريح، وهذا سبب لهم ظلماً مضاعفاً.
ومن هؤلاء المبدعين نذكر الملحن كمال السيد الذي اعدم النظام الدكتاتوري زوجته واضطر للهجرة، ولم ينفك يقدم العطاء أينما حل وبأروع الألحان منها:» المكير، بين جرفين العيون، سلمت وأنت ما رديت السلام، كصة المودة» وعشرات الأغاني والاوبريتات، وظل يعاني من الغربة وقسوة الأيام حتى مات غريباً في الدنمارك العام 2001 ودفن هناك، والفنان الوسيم سامي كمال صاحب الموقف الوطني الجميل، الذي اختار المنفى على أن يسخر صوته الرخيم المشبع بالإحساس للجلادين، وظل يغني للوطن والثورة والحرية، وعرض أسرته للخطر والتشرد والعوز وورطها بالتغرب معه، وهو الآن على عتبة العقد الثمانيني ينظر من بعيد بقلب مفجوع إلى الوطن من صقيع مملكة السويد، ويقول «أريد وطناً يعيش به أبناء شعبي وأولادي وأحفادي بحب وسلام، بعيداً عن الجهل والطائفية، وعلى أقل تقدير أشعر بالرضا على تضحيات تلك السنوات».
من يتذكر الملحن الرائع عبد الحسين السماوي، الذي ترك لنا أعذب ترانيم العشق بأغانٍ مثل «سلامات، تناشدني عليك الناس، ضوه خدك، على مهلك، ردتك تمر طيف..» وغيرها والذي مات حتف غربته في أستراليا قبل سنوات قليلة، من دون أن يلتفت إليه أحد في حياته أو بعد مماته.
الفنان كوكب حمزة بكل ما يحمل من نقاء وطني، حمل جمرة الوطن في داخله، ومع كل ما قدمه من إبداع وتضحيات وألم وغربة، ماذا قدمنا له؟! آخر مرة التقيت بكوكب في أربيل، وجدت حلم الوطن الذي حرق سنوات شبابه من أجل أن يراه معافى بالحب والسلام، بدأ يخبو بعينين ذابلتين.
الفنان صباح السهل الذي اعدمه النظام الدكتاتوري بسبب تهجمه على رأس النظام وأولاده، والفنانان فؤاد سالم وقحطان العطار، اللذان منع النظام السابق سماع أغانيهما، وهما كانا الأقرب إلى وجدان الشباب العراقي آنذاك، وكانت تسجيلاتهما يتم تداولها وسماعها كمنشور سري.
القائمة تطول بأسماء مبدعينا الذين لم نفهم حقهم من الاهتمام المعنوي والاحتفاء بهم، وتعريف الجيل الجديد بمنجزهم، هي رسائل لوزارة الثقافة ونقابة الفنانين والجهات المعنية بأحقيتهم علينا، وللحديث بقية..