جواد علي كسار
وضعني كتاب: «الفنون الإسلامية» في حيرة بين مؤلفه مصطفى جواد، وهو علم من كبار أعلام العراق في اللغة والأدب والتأريخ؛ وبين محققه الخبير المتتبّع الدقيق حسين محمد عجيل، فلستُ أدري حقاً كيف أوزّع العمود بين عَلَم من نوابغ العراق، ومحقّق بذل جهداً عظيماً في إخراج الكتاب من العدم!
بدأت القصة قبل أشهر عندما صدر عن وزارة الثقافة، كتاب العلامة مصطفى جواد (1906ـ 1969م) المعنون: «الفنون الإسلامية» فعكفتُ على قراءة مقدّمة المحقّق المبجّل، بدافع حبّي واحترامي لمصطفى جواد وحسب، لأن موضوع الكتاب لا يقع في دائرة اهتماماتي. لكني أعترف أن قلم المحقّق الرشيق، استدرجني في القراءة، بعلمه الغزير، ومعرفته الفيّاضة الجاهرة، وجهده الرصين المثابر، المتجلي في المتن والهوامش، والأهمّ من ذلك الغيرة على رموز البلد العلمية، والحماس لإحياء تراثه المعرفي الداثر، وتحدّي المخاطر التي داهمته.
تركتُ المقدّمة دهشاً بعد القراءة الأولى منذ بضعة أشهر، وعدتُ إليها بقراءة مستأنفة هذه الأيام، لتزداد قناعتي بأنها تفتح الشهية، لمعرفة تصلح أن تكون جديدة، لحياة مصطفى جواد ومنجزه، كما تستحقّ أن تكون مدخلاً مهمّاً لبناء الذاكرة، والمساهمة في تعزيز الهوية الوطنية العراقية الجامعة.
ليس هذا العمود بديلاً عن العودة إلى المقدّمة بنفسها، لكن كإشارات من مادّتها الغزيرة، استوقفني رقم ذكره المحقق أفاد فيه، بأن مصطفى جواد: «كتب نحو خمسة آلاف صفحة تخص التأريخ العراقي وما يتصل به، نقلاً عن مخطوطات عربية» إبّان إقامته في باريس ست سنوات (1934- 1939م) ودراسته في جامعة السوربون.
بيدَ أن الأكثر إثارة للدهشة، وكمؤشر الى همّة الرجل العالية وطموحه الواثب المستطيل، ما ذكره المحقّق، من أن مجموع ما دوّنه مصطفى جواد في حياته العلمية، نقلاً عن مصادر خطّية ومطبوعة: «بلغ نحو 50 مجلداً، سماها: (الأصول في التأريخ والأدب) جمع فيها من ثمار مطالعاته ما رآه مفيداً له في أبحاثه».
لقد استطاع المحقق حسين عجيل أن ينقذ كتاباً لمصطفى جواد لم يكن معروفاً قبل ذلك، ويُخرج من رفوف العتمة ودائرة النسيان أوراقاً بعد نصف قرن على وفاته، ولستُ أدري لماذا لا تتحوّل هذه المبادرة الفردية الشجاعة، إلى عمل مؤسّسي جامع طموح، ينقذ أوراق ومؤلفات مخطوطة لكبار رحلوا، قبل أن يتداركها التلف ويلفها العدم والنسيان؟!.