غاية التربية

آراء 2019/03/16
...

 د. مزهر جاسم الساعدي
 
كتبت سابقا في العديد من المقالات ان نظامنا التربوي الحالي لا يصلح في بناء جيل يدخل القرن الحادي والعشرين وهو قادر على ان يكون حاملا للمفاهيم الاساسية التي من شانها الاسهام في  تطور البلد وتقدمه ورقيه ، لأنه لا يزال يعتمد على ذات الاساليب التي تركها العالم كله وراء ظهره واخذ بأسباب وأساليب جديدة كان نفعها اجدى للتلميذ الذي سيكون مسؤولا وأبا وموظفا يوما ما  له من الحقوق والواجبات التي يؤديها اتجاه الدستور والقوانين النافذة ، وأمام هذه الحقيقة المخيفة التي تقرها المنظمات الدولية في تراجع الوضع التربوي فضلا عن العقلاء من القوم في العراق ما الذي علينا فعله لنلحق بركب العالم ولا نتخلف عنهم سنة بعد اخرى ؟ .
نعم علينا ان نعترف بصراحة الشجعان ان نظامنا التربوي ان ظل على ما هو عليه ستكون المسافات الزمنية والفجوات الكبيرة بيننا وبين انظمة العالم فضلا عن الدول المجاورة مهولة وكبيرة جدا لايمكن سدها او اللحاق بها .
ربما يقول البعض ان في هذا الكلام مبالغة كبيرة بل ربما فيه نظرة تشاؤمية اكثر من كونها واقعية بكون ما موجود على الارض يشير بوضوح الى وجود انتظام في دوام التلاميذ والطلبة فضلا عن وجود امتحانات ونتائج تعلن سنويا يحقق فيها العديد من الطلبة درجات مميزة تؤهلهم للدخول في جامعات مختلفة وهذا الكلام صحيح بذاته لو ان غاية التعليم في العراق هي مجرد زج الطلاب في الجامعات من دون النظر الى مخرجات تلك الجامعات وانعكاسها على واقع المجتمع ، وهنا لا بد من الاشارة الى ان الحديث لا ينسحب على الحالات الاستثنائية التي يحقق فيها بعض الخريجين مستويات من الاداء التي تميزهم عن اقرانهم انما اعني تحديدا مأسسة الاداء الذي يكون فيه فضاء التنافس من ضمن الاطار العام الذي تفرضه الانظمة والتعليمات والقوانين فضلا عن وجود مستويات الاداء التي تنال الرضا الوظيفي للعاملين في القطاعات المختلفة .
ازعم ان الغاية القصوى والأهداف المركزية لكل مجالات التعليم والمعرفة هي خدمة الانسان والحفاظ على كرامته بكونه مواطنا قد كفلت له الشرائع السماوية فضلا عن القوانين السارية ذلك وان لم يحقق التعليم تلك الغاية فهو تعليم بحاجة الى مراجعة جادة وحقيقية وحين يصل الى تلك الغاية نستطيع القول انه قد ادرك مبتغاه .
ان تحصين التلميذ والطالب في المراحل الدراسية اتجاه الثغرات الاخلاقية والسلوكية هو الركيزة التي يجب الا تحيد عنها الاهداف التربوية لأنها المرتكز الاساس في صناعة المواطنة والهوية الوطنية للمجتمع لان التربية في احدى معانيها : هي تحصيل للمعرفة وتوريث للقيم كما هي توجيه للتفكير وتهذيب للسلوك  ومن هنا فلابد من النظر الى ان تلميذ اليوم هو مسؤول الغد فإذا صنعت تلميذا محصنا ازاء مغريات الفساد فلن يكون المسؤول فاسدا وان صلح حال المسؤول صلح حال المواطن ، ولا يقوم بهذا الدور سوى المدرسة بكونها المؤسسة المعنية بذلك في المقام الاول وتأتي بعدها الجهات الاخرى في سلم المسؤولية ،ولعل هذا الامر لا ينظر اليه منفصلا عن الارادة السياسية التي تفعل فعلها في اتخاذ القرارات الصائبة التي من شانها اعادة العملية التربوية الى سكتها الصحيحة وإصلاحها في اسرع وقت خوفا من فوات الاوان.