علي حمود الحسن
شكل فيلم" الرسالة" حدا فاصلا بين نمطين من السينما العربية الدينية، حتى يمكن القول بأفلام ما قبل الرسالة وبعدها، فهو أسقط ورقة التوت عن ثلاثة عشر فيلما عربيا، تناولت التاريخ الإسلامي والدعوة النبوية الشريفة بسذاجة بصرية وهشاشة رؤية، الى حد أنه أضرَّ بها بدلا من الإفادة منها، ونشرها من خلال هذا الوسيط سريع الانتشار، ربما هذا يفسر عدم إقدام أيٍّ من شركات الإنتاج العربية على إنتاج الأفلام الدينية.
الفيلم الذي أخرجه الأميركي من أصول سورية مصطفي العقاد، مثل في نسخته العربية عبد الله غيث (الحمزة)، ومنى واصف (هند) وانطوني كوين (حمزة)، وايرين باباس بدور (هند)، فضلا عن عشرات من الممثلين العرب والأجانب، كما أسهم كاتب السيناريو الايرلندي الشهير هاري كريج صاحب "لورنس العرب"، وحميد جودة السحار، وعبد الرحمن الشرقاوي، وتوفيق الحكيم، وأحمد شلبي، ومحمد علي ماهر في كتابة السيناريو، بموافقة الأزهر، إذ كان يتم الختم على كل صفحة تنجز من السيناريو، ووضع الموسيقى الفرنسي موريس جار، وصوره البريطاني جاك هيلد يارد، بينما منتجه البريطاني جون بلوم والمصري حسن عفيفي، وغيرهم من فنانين وفنيين عالميين من 29 بلدا واكثر من 390 يوما قضاها فريق العمل في التصوير في صحراء المغرب وليبيا، حيث بدأ التصوير في 16 نيسان 1974 في قرية (عيت بوشنت) المغربية، لكن الفيلم بعد أن نجح في الغرب منع في معظم البلدان العربية، لا سيما مصر والسعودية، ولم يتم الإفراج عنه إلا في السنوات الأخيرة، في واحدة من مفارقات عالمنا العربي العجيبية.
واجه الفيلم أزمات متعددة في بدايات إنتاجه الأولى، بدءًا من التمويل ومرورا بالاتفاق على سيناريو الفيلم، وانتهاءً باختيار أماكن التصوير، فالمسلمون لا يمتلكون رؤية واحدة، إذ لعبت السياسة دورا أساسيا في عرقلته، وكاد المشروع أن يفشل، لولا أن اقتناع القذافي بتمويل الفيلم وتصويره في الصحراء الليبية ودعمه لوجستيا، على الرغم من حصول المخرج، الذي هو منتج الفيلم أيضا على كافة الموافقات اللازمة، خصوصا موافقة الأزهر والمجلس الأعلى الشيعي في لبنان، إلا أن عقبات وتابوات عديدة واجهته، فكان عليه إيجاد أكثر من بديلا عن الخروج من كل هذه العقبات، ربما واحدة منها تجاوز معركة الخندق.. وعلى العموم كان تصوير معركتي بدر وأٌحد وتحريك المجاميع مبهرا ومذكرا بالأفلام التاريخية والملحمية الكبرى، من دون ان ينسى أدق التفاصيل، وكم كان العقاد موفقا باختيار وجود شخصية الحمزة كخط درامي متنامٍ بديلا عن سير بناة الإسلام الأوائل، الذين لا يسمح بتجسيدهم، الا بالإشارة إليهم رمزيا، كما في سيف ذي الفقار ليكون دالة لوجود الإمام علي (ع).