أعظم اختراع

الصفحة الاخيرة 2022/03/23
...

حسن العاني
 
(ما زلت أعتقد) بأن الانترنت وتوابعه وحكايات الفيسبوك والتواصل الاجتماعي و .. و.. قد نالت من الشهرة ما لم تنله شهرة الحرب العالمية الثانية وأفكار ماركس ومغامرات مارلين مونرو!. 
(وما زلت أذكر) أن إحدى زميلاتي الإعلاميات – وهي آية من آيات الجمال، برغم إن أصغر أحفادها حصل على شهادة الماجستير – قد وبختني بعنف بحكم (الميانة) والعلاقة الوطيدة بيننا، لأنني نسيت إهداءها كتابي الصادر يومها عام 2018، وهكذا قدمت لها الكتاب بإهداء قلت فيه (إلى صديقتي الحلوة (.....)، هل تعرفين إنني احبك أكثر من عمتي!)، وواضح أن روح الطرفة أو المزاح هي الطاغية على الإهداء،  ولم يكد يمر يوم واحد حتى اتصل بي عشرات الزملاء والأصدقاء وكأنهم متفقون على معنى واحد (ها حسن العاني .. تسوي نفسك فقير .. الله ربك عندك صديقة حلوة تتغازل وياها .. وضامها علينا !) 
طبعاً أنا لا أعتب على أحد منهم إذا كانوا مجموعة أغبياء، ولم ينتبهوا إلى روح الدعابة الواضحة، ولكن عتبي على (الخاتون) التي نشرت الإهداء على صفحتها كما لو كانت تتباهى وتباهي به، لأن كاتبه ماركيز او نيرودا او ترامب!.
(ما زلت اعتقد) بأن الانترنت وتوابعه من الانستغرام إلى التويتر، ومن التلغرام إلى الماسنجر، اختراع فاق في أهميته أعظم المكتشفات والمخترعات، ليس ابتداء باكتشاف اميركا، وليس انتهاء باختراع المولدات الأهلية لمواجهة (جائحة الكهرباء).
(وما زلت أذكر) – كان ذلك في عيد الفطر، وهو آخر فطر مرّ علينا العام الماضي – إنني دعوتُ أبنائي الثلاثة في أول أيام العيد لتناول الغداء عندي في البيت مع زوجاتهم وأبنائهم، وما كدت استقبلهم، وما كدنا نتبادل القبل والتهاني، وقبل أن تمضي عشر دقائق على لقائنا حتى انشغل الثلاثة بموبايلاتهم الحديثة، أصابعهم تتنقل بسرعة من صورة إلى صورة، ومن خبر إلى خبر، وعيونهم ملتصقة – وهي على سعتها – بشاشات الموبايلات وهو الأمر الذي اضطرني إلى تنبيههم بأننا لم نلتقِ منذ خمسة أشهر تقريباً، وطلبتُ منهم بطريقة أقرب ما تكون إلى التوسل أن يكفوا عن انشغالاتهم الانترنيتية، ويتفرغوا لوالدهم وإلى بعض الأحاديث الأسرية التي تهمني وتهمهم..
أشهد أنهم كانوا في غاية الالتزام والأدب، وتحدثنا فيما تحدثنا عن الانتخابات وأجوائها الصاخبة، وقبل انصرام عشرين دقيقة على أحاديثنا التي بدت أبرد من ماء البئر، عادوا إلى موبايلاتهم وتركوني وحيداً، لذلك انزعجت وبلغ غضبي أعلى مستوياته، فقلت لهم من موقع السلطة الأبوية الغاشمة [أولاد الكلب .. ألا يمكن أن تتركوا هذه البلاوي اكراماً لوالدكم ولو ساعة واحدة ؟!]، لم يغضبوا أو ينزعجوا، ووضعوا موبايلاتهم جانباً لمدة خمس دقائق ثم عادوا إليها، ولذلك طردتهم من البيت وحرمتهم من وجبة الغداء ومع ذلك (ما زلت أعتقد) و (ما زلت أذكر )..