دولة اللاجئين

الصفحة الاخيرة 2022/03/25
...

جواد علي كسار
عادةً ما تُعرّف الدولة بأبرز مرتكزاتها؛ وهي الجماعة الإنسانية والأرض والسيادة. لكني أتحدّث عن دولة لعشرات الملايين خارج هذا المألوف الارتكازي؛ تجمعُ كلّ الأعراق من السود والبيض والسمر؛ تتعايش فيها جميع ما تعرفه الإنسانية من أديان ومذاهب؛ وينتمي إليها الناس من جميع التيارات والمذاهب والفلسفات، تشهد في داخلها وبين المنتمين لها كلّ الثقافات والأمزجة والأذواق والمشارب، مهما تباعدت واختلفت؛ باختصار هي دولة ينضمّ إليها الناس زمراً ووحداناً، من دون أن تضع قيداً على أحد، من دين أو عرق أو ثقافة وما شابه!
الدولة التي أعنيها؛ هي دولة اللاجئين والهاربين والمهاجرين، الذين اضطرتهم الأوضاع للفرار من بلادهم بحثاً عن مأوى جديد؛ يُضاف إليهم النازحون داخل بلدانهم.
كانت الحروب ومخاطرها هي المظلة الأكبر التي تجمع هؤلاء في السابق، لكن أُضيف إليها في العقود الأخيرة، أسباب أُخر ترتبط بالبيئة والجفاف والقحط، وبالفقر وقلة فرص العمل وغياب الشروط الدنيا للمعيشة الآدمية، إضافة إلى طموحات البحث عن حياة أفضل وتحسين فرص المعيشة، وأحلام الرفاهية والحياة الرغيدة، خاصة بالنسبة إلى الشباب.
عدد نفوس هذه الدولة سيّال بحسب بازار الحروب وأزمات المعيشة الطاحنة، لكنه مع الأسف في تصاعد ضمن متوالية مخيفة. لا نملك أرقاماً دقيقة سوى ما تضعه بين أيدينا المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، وهي ناقصة يفوتها الكثير، لكنها كافية لمنحنا صورة عامة عن محنة الإنسانية، مع دولة اللاجئين والمهاجرين.
خلال عقد واحد هو العقد الأخير من القرن الحالي، تضاعف عدد اللاجئين والنازحين، حتى بلغ عام 2020، (82,400) مليون، ثمّ تصاعد خلال عام 2021م وحده إلى (84) مليون إنسان، قبل أن تُضاف إليه ملايين أُخرى، في أزمة الغزو الروسي لأوكرانيا، والحرب التي لا تزال مستمرّة، في أفق يتحدّث عن تسعة ملايين لاجئ كحدٍ أعلى، وخمسة كحدٍ أدنى.
على المستوى الشخصي أعيش اهتماماً كبيراً بهذه المسألة لأسباب متعدّدة، أهمّها اثنان؛ الأوّل أنني سلختُ ربع قرن من أفضل سنّي حياتي، مواطناً في دولة اللاجئين هذه؛ والثاني كلام للإمام أمير المؤمنين يدفعني للتفاعل بعمق مع مأساة اللاجئين في كلّ وقت ومكان، يقول فيه عليه السلام: «الناس صنفان أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق».