فجر محمد
من الممكن أن تلاحظ وبسهولة ارتجاف يديها وارتعاشها عندما تلتقي بغرباء، وكم حاولت السيطرة على نفسها لكن من دون جدوى، لأن وئام سمير البالغة من العمر 13 عاماً، غالباً ما تكون غير قادرة على التحكم بأعصابها أمام الأشخاص الذين لا تعرفهم، وتقول وئام وبخجل واضح: «لم أكن أعي حقيقة المشكلة التي أعاني منها، إذ كنت أجهل أن ردود أفعالي أمام الغرباء واضحة جداً، إلى أن أبلغتني إحدى صديقاتي بهذا الأمر لأجد حلا لهذه المشكلة».
تناولت العديد من الدراسات والبحوث النفسية قضية مهمة قد يتعرض لها المراهقون في مقتبل حياتهم، ألا وهي الرهاب أو القلق الاجتماعي الذي غالباً ما يحرمهم من التواصل مع مجتمعهم وأقرانهم، ويفرض عليهم حالة عزلة شديدة وقد يتعرض له المصاب نتيجة موقف معين، أو تعرضه للإحراج والتنمر أمام عدد كبير من
الناس.
ثقة واضحة
على العكس من وئام، كانت زميلتها رسل تلفت الأنظار إليها بالاطمئنان والثقة الواضحين اللذين لطالما تحلت بهما، فهي كثيراً ما تثير فضول أصدقائها بشخصيتها القوية والواثقة من نفسها، إذ تبادر على الدوام في صفها المدرسي وتحب إثارة النقاشات وطرح الأسئلة، وتقول ميساء عصام والدة الصغيرة رسل: «أحاول دائماً أن أشجع ابنتي، وأزرع ثقته ا في نفسها وأنمي مواهبها كي تكون شخصية مؤثرة مستقبلاً، وأن أبعد شبح الخوف من الغرباء
عنها».
تشير الدراسات النفسية والاجتماعية إلى أن الاهتمام بالصغار، وتشجيعهم ومكافأتهم على الأشياء الإيجابية والأعمال التي يقومون بها من شأنها تطوير شخصياتهم أكثر، بل وتزرع الثقة في أنفسهم
أيضاً.
ويرى الباحث بالشؤون النفسية والاجتماعية ولي الخفاجي أن الرهاب أو ما يعرف بالسوشيال فوبيا، يظهر في المواقف الاجتماعية المختلفة وللأهل الدور الأكبر في تنمية وتنشئة الأولاد على الثقة بالذات، والتكيف مع الغرباء.
ومن وجهة نظر الخفاجي فإن إشراك الأولاد في الأحاديث، والسماح لهم بالاختلاط مع الضيوف الذين يزورونهم من شأنه أن يبعد عنهم الخوف والقلق الاجتماعي.
محاكاة ناجحة
يعتقد المختص بعلم النفس الدكتور أيسر فخري أن مرور الفرد بتجارب فاشلة، على سبيل المثال اخفاقه في إبداء رأي معين طلب منه على عجالة أمام أفراد أسرته، من شأنه أن يؤثر فيه، ولكن بإمكان الشخص أن يستفيد من تلك التجربة ليتعلم منها لاحقاً، ويحافظ على هدوئه ويحسن التصرف
مستقبلاً.
أعراض جسدية
عندما ألتقي بشخص غريب عني ولا أعرفه، أشعر فجأة بتسارع في نبضات القلب وارتعاش اليدين، وغالباً ما تكسو الحمرة وجهي ولم أكن أعرف كيف أسيطر على نفسي، تصف وئام حالتها وتتابع قائلة: «لم أكن أتمتع بالجرأة في صغري، على العكس من شقيقتي التي لم تكن تشعر بالخوف من الغرباء مثلي. ربما لأن أمي لم تكن تشجعني أسوة بشقيقتي الأكبر مني سناً». ولأن وئام لم تكن تشبه شقيقتها شكلاً لذلك تظن أن أمها تميل إلى الأخت الكبرى وتفضلها على بقية بناتها.
في دراسة نفسية أعدت وجد أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين التنمر والرهاب الاجتماعي، فمن يتعرضون لهذا الأمر غالباً ما يكونون مستعدين نفسياً للإصابة بالقلق الاجتماعي والعزلة.
الأماكن الجديدة
لم يكن انسجامه وتأقلمه مع محيطه الجديد بسرعة ولا بسهولة، إذ لم يتوقع مالك حسن أن ينفصل عن رفاق طفولته ومدرسته هكذا ومن دون مقدمات، ولكن بعد أن اشترى والده منزلاً جديداً وانفصل عن بيت الأسرة الكبير، اضطر إلى تغيير مدرسة ولده مالك، ما تسبب بمشكلات نفسية واضطرابات للصغير بشكل لا يوصف ويقول الوالد: «لم أتصور أن انتقال ولدي إلى مدرسة جديدة سيسبب له عقداً ومشكلات نفسية، إذ لم يعد راغباً بالدراسة».
لم يكن خوف الصغير مالك نابعاً من تغيير مدرسته وحسب، بل أيضاً بسبب انعدام الانسجام بينه وبين الرفاق الجدد، وأحياناً تعرضه للمضايقات كما يشير والده.
وتشير ليلى رضا، مدرسة في إحدى المدارس إلى أن الخلافات بين الأولاد في الصفوف المدرسية موجودة دائماً، ولكن هناك مضايقات قد تصل إلى حد الضرب وهنا يظهر دور الملاك التدريسي الذي لا بد من أن يحل هذه المشكلات، ويحاول التوفيق بين الطلاب.
ويشيع جو الوئام والتفاهم بينهم. في حين يؤكد الباحث بالشؤون النفسية والاجتماعية ولي الخفاجي أن تغيير مكان الإقامة بالنسبة للكثيرين، غالباً ما يكون أمراً غير مريح، فهم قد اعتادوا على نمط حياة معين، واكتسبوا صداقات ورفقة لذلك عندما يبتعدون عنهم سيواجهون صعوبات كبيرة، لذلك لا بد من تهيئتهم نفسياً قبل الانتقال إلى هذا المكان
الجديد.