شيماء عماد زبي
كان هناك مسلسل كارتوني اسمه «مغامرات سندباد» كان اكثر بكثير من مجرد مسلسل للرسوم المتحركة واغلب من هم في عمري واولياء امورنا يعرفون هذا العمل التلفزيوني الرائع ، في احدى حلقات سندباد ظهرت ساعة رملية أدركت ماهي من سياق حلقة الكارتون ، منذ ذلك الزمان وانا اقدر فكرة تحويل أمور بسيطة غير محسوسة مثل ذرات رمل لجعلها توازن أمراً عظيماً وهو الوقت ، قادتني هذه الذكريات للربط بين ساعة الرمل وحياتنا الآنية وكيف ان أموراً بسيطة غير منظورة، تتراكم وتتسرب لتحتل كل تلافيف عقلنا لتجعلنا نفكر بان حظنا وعرٌ وهناك من يعمل لنا الاعمال ويعقد العقد وشر نفاثاتها وهكذا تستمر صغائر الأمور هذه في التراكم لتظهر في شرايين اجسادنا كولسترولاً وضغطاً وسكراً ، أما دقائق الأمور هذه التي تماثل حبات الرمل في ساعة حياتنا الرملية اذا ما تراكمت على الروح في اجسادنا، فإنها اشعلتها غيرة او قهراً او حزناً .
لماذا نحن هكذا نفكر ونركز في أمور دقيقة ونفخمها ونعطيها سلطة الاحتلال لنا ؟
اما شاء الله لنا ان نكون خير كائناته وارقاها؟
هل ما نحنُ عليه اليوم من صحة عقلية ونفسيةٍ وجسديةٍ تليق بخير مخلوقات الله؟
ساعة الرمل هي انموذج مبسط لأمور بسيطة غير منظورة، أصبحت توازن بتراكمها الوقت ،زمن الحياة، زمن الفعل ورداته، زمن النجاح وسعادته، زمن الحب وتقييمه للذات، زمن الكلام وزمن الصمت ، فلم نعد نميز بين الصمت الكبير وصمت الكبار بين فكرة تكتنز في زمن قبل النطق وبين رائحة نتنة تخرج من افواه تلوك الأعراض بالشائعات وتنقل تعليقات الانترنت الطحلبية، كل ذلك ذرات رمل تتسلسل وتتسرب وتتراكم عبثاً ونحن لا ندرك جمالاً ولا صلاحاً ولامحبةً ولا خيراً ولا سعادة، ويمر الوقت، وفجأة
لاجديد!
تتوقف ذرات الرمل، تنتهي كل الصغائر بعد ان كونت كبائر.. وانتهى العمر!
اجد حياتنا مشهداً عملاقاً للوحة بيكاسو {جيونيكا} وكما يصفها الروائي العراقي العملاق محمد خضير في روايته «كراسة كانون»، إذ يسرد عن هذه اللوحة واصفاً إياها بان فيها من القطع والبتر او الربط والجمع ما يجعلها طريقة مستقلة نفذت بصورة مرحلية فذة متدرجة بين الأبيض والرمادي والاسود في مساحة كبيرة غطت معظم اجزاء اللوحة وحددت الأشكال التي لم تتغير كثيراً ، هذه اللوحة ولدت من عنفوان الخط لا من عنف الحادث ،اغنية الجمال الذبيح، وحلم العقل النائم .
هذا كان وصف الروائي محمد خضير للوحة بيكاسو التي هي فعلاً تنطبق على حلم عقلنا النائم وأغنية لحياتنا التي شوهنا جمالياتها بافكارنا ولم نسحب من ألوان الدنيا سوى الرمادي وكل بطولاتنا اننا درجنا هذا السواد ببعض البياض ربما من بقايا أمل وايمان بقدراتنا، ساعتنا الرملية العقلية تمرر من خصرها الضيق دقائق الهموم فتتجسد دبابات تهرس بسرفها الروح وابتكارات العقل، ساعتنا الرملية لابد ان تتوقف عن تمرير ذلك ولابد ان نعيدها لفن الازمنة القديمة والجديدة ونجعل قطوف الأمل منها دانية، لنعيد ساعتنا الرملية لفضائها الوهمي الملون وانتبهوا وأنتم تقومون بإرجاعها، حذار ان يُفصَّل خصرُ زمانها الضيق.