موقعة نيوزيلندا

آراء 2019/03/17
...

حمزة مصطفى
 

دخلت نيوزيلندا دائرة الفعل والتداول لكن ليس من بوابة الأبقار والحليب حيث تشتهر بل من أخطر بوابة يمكن أن تخطر على بال أحد وهي الإرهاب. الفعل الذي نفذه مابات يطلق عليه من الآن فصاعدا الإرهابي المتطرف برينتون بارانت الأسترالي الأصل المسيحي الأصولي لافت بحد ذاته, إن كان على مستوى التخطيط أو التنفيذ, فضلا عن الدافعية والسبق والإصرار. العالم تعامل مع الحادث من زوايا مختلفة لكنها تصب في بؤرة واحدة وهي أن الإرهاب بالفعل لادين له. 
هذه المقولة كنا نرددها وحدنا نحن المسلمين ولا أحد يصدق بنا أو يستمع الينا.والسبب المباشر أن الغالبية العظمى ممن ينفذون عمليات من هذا النوع هم من المحسوبين على الدين الإسلامي. الطرف الآخر حتى المتعاطف مع المسلمين يقول عنهم إنهم مسلمون أصوليون بل عدد كبير من وسائل الإعلام في العالم تطلق عليهم التسمية التي يطلقونها هم على أنفسهم  وهي «الجهاديون». كما تطلق على تنظيمهم الذي نسميه نحن «داعش» بـ «تنظيم الدولة
 الإسلامية». 
موقعة نيوزلندا نبهت العالم لأول مرة الى أن الأديان بريئة من أداء من ينتمي اليها أو ينتسب أو  يدعي أنه يتمسكل بها. كل الأديان ذات منبع واحد وتقود الى هدف واحد وهوالوصول الى الله. صحيح أن طرق الوصول ووسائله بل وحتى غاياته قد تبدو مختلفة بين كل دين وآخر لكنها لاتختلف من حيث الجوهر. ففي داخل كل دين هناك خلافات واختلافات من شأنها أن تفجر وقد فجرت خلافات بين أتباعها على مر العصور. 
حصل هذا في كل الأديان لاسيما الأديان الابراهيمية أو السماوية الثلاثة «الإسلام واليهودية والمسيحية» التي  شهدت حروبا طاحنة بين أتباعها ولاتزال مستمرة بطرق مختلفة. مع ذلك فإن الدين الإسلامي بدا هو الوحيد الذي لاهم له سوى تفريخ وإنتاج الإرهابيين الذين يروعون الناس ويفجرون أجسادهم بينهم لا فرق عندهم بين رجل وامرأة أو طفل أو مسن. 
لست أريد هنا نفي التهمة. فالتطرف الإسلامي حقيقة ليس بوسع أحد أن ينكره. لكن لماذا ينظر الى الخطاب  الإسلامي بوصفه هو الوحيد خطاب كراهية بينما الخطاب الآخر هو خطاب إعتدال وتسامح وعفو؟ اليس خطاب الكراهية والانعزالية والتشدد اليميني الذي أوصل بعض القيادات المتطرفة في الغرب الى مواقع المسؤولية هو المسؤول عن إنتاج ظاهرة بارانت؟ هذه الظاهرة التي إن لم يحاول الغرب نفسه معالجتها بإجراءات عملية ملموسة فإنه سيبدأ بدفع ثمن مضاعف. هذه المسؤولية تقع اليوم بالدرجة الأساس على عاتق القيادات الدينية والفكرية والسياسية هناك. 
فالمسلمون هم أول من دفع ثمن أفكار متطرفيهم برغم حاجتنا الى مراجعات جدية للنصوص والمفاهيم. في حين  لايزال الغرب قد بدأ من كبار مفكريه وساسته ووسائل إعلامه ومراكز أبحاثه يحمل المسلمين كلهم وزر ما يفعله هذا التنظيم. مافعله بارانت اليوم يؤكد الحاجة الى مراجعة في إطار حوار حقيقي للأديان والحضارات بدلا من مفاهيم الصراع والصدام التي نبه اليها المفكر الراحل صموئيل هنتغنتون.