يتصاعد الجدل في الأروقة الرسمية والحزبية وأوساط النخبة التركية بشأن إصرار أنقرة على شراء منظومة إس – 400 الصاروخية الدفاعية من موسكو، ورفضها مطالبة واشنطن – شريكتها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)؛ بالتراجع عن “صفقة إس – 400”، وإبرام صفقة جديدة لشراء منظومة باتريوت الدفاعية الأميركية.
مهاجمة رافضي “الصفقة”
وقال عمر جليك، المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم، إن التحفظات الغربية، وفي مقدمتها الأميركية، على شراء تركيا منظومة إس – 400 تكشف عن “ازدواجية في المعايير، لاسيما ان الدول الغربية لا تحرك ساكنا إزاء امتلاك اليونان المنضوية في حلف الناتو لمنظومة إس – 300 الروسية”. وكانت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) حذرت الحكومة التركية، في حال حصولها على “إس – 400”، أنها لن تحصل على منظومة باتريوت ومقاتلات إف - 35 الأميركية، فيما لوحت أطراف أميركية أخرى بفرض عقوبات على تركيا. واستضافت أنقرة مؤخرا، اسمين مهمين في السياسة الخارجية الأميركية؛ هما جيمس جيفري، المبعوث الخاص إلى سوريا، وماثيو بالمر، مسؤول العلاقات مع أوروبا. وفيما تركز جدول أعمال جيفري في الملف السوري، ناقش بالمر صفقة إس – 400، من دون أن تنتهي زيارة المسؤولين بأي حل للخلافات تنشده واشنطن. وحاول الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، طمأنة حلفائه الغربيين، وهو يقول: إن شراء منظومة إس – 400 “لا علاقة له من قريب أو بعيد بأمن الولايات المتحدة، أو حلف الناتو، أو صفقة مقاتلات إف - 35”، مؤكدا “سنتعامل مع هذه القضية بما يتماشى مع المنطق السليم، والمصالح المتبادلة، تماما مثل العديد من المشكلات الأخرى في الماضي”.
مواجهة بحسابات انتخابية
وكتب سركان دميرتاش، مدير مكتب صحيفة حريت ديلي نيوز التركية في أنقرة، تعليقا على ما قاله إردوغان: أن “تركيا تلمح إلى أن أزمة إس – 400 قابلة للحل”. ونبه دميرتاش إلى أن الحكومة التركية تتعامل مع خطابات التهديد الأميركية بتوازن، نظرا لبقاء نحو أسبوعين على الانتخابات البلدية في تركيا، التي يلقي فيها إردوغان بكامل ثقله سعيا لفوز مرشحيه برئاسة البلديات، ذاهبا إلى أن “تأزيم العلاقات مع الولايات المتحدة سيضرب الليرة التركية الهشة بالفعل كما لوحظ الأسبوع الماضي”. وانخفض سعر صرف الليرة أمام الدولار قرابة 2 بالمئة إثر قرار الولايات المتحدة إنهاء استفادة تركيا من برنامج نظام الأفضليات المعمم الذي كان يمنح تركيا تخفيضات جمركية منذ العام 1975. وقال غونري جوا أوغلو، الكاتب في صحيفة ملليت التركية، إن “رسائل الإنذار الأميركية أسفرت عن قفزة في سعر الدولار الذي تجاوز 5 ليرات و40 قرشا، في حين أن المتابعين كانوا يتوقعون انخفاض السعر إلى ما دون 5 ليرات مطلع الصيف”. ولفت جوا أوغلو “حتى وإن لم تحصل الولايات المتحدة على مرادها عبر الإملاءات على تركيا، فإن من الملاحظ قدرتها على الإزعاج من خلال صدمات اقتصادية قوية”. وأضاف أن الولايات المتحدة “لجأت إلى ذلك من قبل، فارتفعت حرارة الدولار فجأة، ومع الإفراج عن القس الأميركي أندرو برانسون، والحوار بين إردوغان وترامب انخفضت حرارة الدولار قليلا”، متابعا “والآن هناك مؤشرات على تكرار اللعبة نفسها”. وعبّر الكاتب المعروف عن خشيته من “إمكان تعمق الخلافات التركية – الأميركية في المرحلة المقبلة، وتصاعد التوتر، وتسريع الولايات المتحدة إيقاع ضرباتها الاقتصادية، نظرا إلى أن أجندة العلاقات التركية – الأميركية حافلة بالقضايا الخطيرة”.
معارضة لوبي داخلي
وتناول الكاتب حسن بصري يالجن، في صحيفة صباح التركية، وجود لوبي تركي يعارض صفقة إس – 400. وقال يالجن: “يمكنني فهم الضغوط الأميركية، فالولايات المتحدة لا ترضى باستراتيجية تركيا لتنويع أسلحتها بمنظومة مثل إس – 400، وستفعل كل ما في وسعها لعرقلة جهود أنقرة”، مستدركا “لكن الغريب في الأمر وجود معارضين للصفقة من الداخل وقد وجهوا انتقادات تقنية، وجادلوا في جودة المنظومة الروسية، ثم اتضح أن معارضتهم لا تتعلق بالناحية التقنية فقط”.
وقسّم الكاتب التركي اللوبي المعارض إلى “موالين للولايات المتحدة” داعيا إلى تجاهلهم، وإلى “مَن يعتبرون أنفسهم وطنيين غير أنهم لا يجرؤون على الإتيان بمقتضيات
الوطنية”.
ووجد يالجن أن “المشكلة التي طغت على الخمسين عاما الأخيرة من تاريخ تركيا هي الارتباط بمصدر واحد على الصعيد العسكري هو الولايات المتحدة”، حاثا على المضي في شراء “إس – 400” ومغادرة الارتباط العسكري، من دون الالتفات إلى التهديدات والضغوط
الاقتصادية.