كولر غالب الداوودي
تصوير: نهاد العزاوي
لأسباب متعددة يغيب الأب عن الأسرة، أما بسبب حدوث الانفصال أو بسبب موت الأب أو سفره لفترات طويلة، ويؤثر غيابه هذا في نمو الطفل ونفسيته وثقافته وشخصيته، وقد يؤدي إلى صراعات نفسية وانعدام التوازن العاطفي والأمن النفسي وحتى يؤثر في التحصيل الدراسي، أما بعض الأطفال فيحصل عندهم اكتئاب نفسي مزمن، فالحب والعطف والحنان عناصر مهمة لنمو الأطفال بصورة طبيعية، وفقدان هذه العناصر يعني ولادة الحرمان والقلق والكآبة وعدم التركيز بأبسط الأمور، وبالتالي يصبح الطفل فاشلا في حياته.
لا بديل
حدثتنا السيدة باسمة سعيد، متقاعدة عن الصعوبات التي واجهتها بعد حدوث الطلاق بينها وبين والد أبنائها الثلاثة وقالت: كنت أعاني من الشعور بصعوبة السيطرة على تربية الأولاد وخاصة الذكور في سن المراهقة، وأضافت «كانت مرحلة صعبة، والطفل المراهق لا بد من وجود من يشد عليه في بعض الأحيان، إذ كان من المفروض أن يقوم بهذا الدور القوي وإبراز الشدة والدهم، وأحياناً أخرى كنت أشعر بأنهم يفتقدون المساعدة من والدهم في أمور كثيرة، ومهما قدمت لهم من عون ومساعدة لا يمكن أن أسد مكان والدهم».
صديق لا مثيل له
أما زينة كمال، سيدة أعمال، فقد تحدثت عن سلوك أبنائها بعد وفاة والدهم في حادث سيارة، ووصفت حالتها بأنها كانت صعبة جداً، خاصة أن معاملة والدهم لهم كانت معاملة صديق لصديقه، وأضافت «كانوا متعلقين به ويأخذون رأيه بكل شيء وكان يساعدهم في دراستهم، وبعد أن غاب عن المنزل بوفاته أصبحت الكآبة مخيمة على نفوسهم، ولا يتقبلون الأصحاب ولا يخرجون، وتراجع تحصيلهم الدراسي، وحاولت أن أشغل مكان والدهم بشتى الطرق ولكن لم أستطع».
الأم مدرسة
أحياناً تجد الأم نفسها مضطرة لملء الفراغ الذي تركه الأب في حياة الأبناء، والأسرة يكون الأب والأم عمودين رئيسين في تكوينها، وغياب أحدهما يؤثر في تنشئة الأبناء، ولذلك تحاول الأم أن تشغل مكان الأب بشتى الطرق ومن الأفضل، وحسب الدراسات التي ذكرت والتجارب، وجود أشخاص إلى جانب الأم مثل الأقارب من أخوال أو أعمام لمساعدة الأبناء في تخطي مرحلة الحزن والتكيف مع وضعهم الجديد والاعتماد على أنفسهم وإشراكهم في المناسبات الاجتماعية لتعزيز الشعور بالأمان العاطفي الذي نتج من فقدان الأب وغيابه.
إصرار
ومن جهة أخرى الرحيل للشريك لا يعني اعتزال الحياة، وعلى الأم أن تدرك بأنها أصبحت مسؤولة عنهم لوحدها، وسيكون عليها جهد إضافي، ولكن لا بد من أن تتحلى بالصبر والايجابية، لأن الإحباط والحزن واليأس قد تنتقل إلى الأبناء الذين سوف يفكرون بأنهم لا معنى لحياتهم في غياب الأب، وهنا تلعب شخصية الأم دوراً كبيراً في السيطرة على الموقف، والأم ذات الشخصية القيادية والقادرة على تحمل الصعاب لديها القدرة على التعامل مع الموقف وتجد البديل الذي يعينها في مواجهة الحياة وحدها، أما الأم ذات الشخصية الضعيفة السلبية الاتكالية فهي لا تستطيع اتخاذ قرارات لوحدها وعاجزة عن حل أي مشكلة تواجهها، ولا بد من وجود شخص يقف بجانبها ليساعدها ويلعب دور الأب البديل لتخطي الصعاب سواء كان والدها او أخاها أو زوجاً آخر ليعينها في حل مشكلات الأولاد، وحسب ما يؤكد الطب النفسي فإن المرأة تستطيع أن تواجه المجتمع لوحدها بإصرارها وبقدرتها على مقاومة الضغوط التي تتعرض لها، وتعاملها مع مواقف أولادها بقدر من الهدوء والاتزان لكي تتخطى الصعاب بنجاح.