أزمة مئة عام للأراضي العثمانية السابقة

بانوراما 2019/03/18
...

سلجوق ايدن وتوران قافارلي
ترجمة: شيماء ميران
أثرت محاولات بناء دول قومية بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى بشكل كبير في وضع اسس لحلقات صراع شديد داخل اقاليم الامبراطورية العثمانية السابقة.
فقد وضع المؤرخ والدبلوماسي الانكليزي إدوارد هاليت كار عنوانا لكتابه هو (ازمة العشرين عاما: 1919-1939) بعد انقضاء الفترة ما بين الحربين العالميتين بسبب التطورات التي سبقت الحرب العالمية الاولى، في حين أنه ينبغي، حاليا، اعادة تصور أزمة المئة عام ضمن سياق الحديث عنما حدث  للاراضي العثمانية السابقة منذ العام 1919.
لم يخض العالم صراعا بهذا الحجم حيث قتل فيه على الاقل 15 مليون عسكري ومات اكثر من ثمانية ملايين مدني بسبب المجاعة والامراض وجرح عشرون مليوناً على الاقل في مختلف ارجاء العالم اثناء الحرب العالمية الاولى.
وانتهى حمام الدم مع صدور الهدنة التي وقعتها قوات دول الحلفاء؛ وفي مقدمتها فرنسا وبريطانيا وروسيا، مع القوى المحورية التي ضمت ألمانيا وامبراطورية النمسا والمجر والامبراطورية العثمانية ا وبلغاريا عام 1918.
فبحلول كانون الثاني من العام 1919 التقى الزعماء الكبار في مدينة باريس للتفاوض حول تشكيل النظام الجديد عقب انتهاء “الحرب العظمى”، ومع هذا فان القوى المنتصرة لم تتمكن من الاتفاق على كيفية تقسيم دولة واحدة محددة، هي الامبراطورية العثمانية.
وبالرغم من ذلك كانت مسودات اتفاقيات السلام لكل من ألمانيا والنمسا والمجر وبلغاريا جاهزة، لكن المنتصرين لم يكونوا راغبين بجعل أي منهم اكثر قوة في عملية تقسيم بقايا الامبراطورية العثمانية.
جاءت تطورات، مثل: الثورة الروسية، وشروط السلام القاسية على قوى المحور، وانظمة الانتداب لقوى الحلفاء، وارتكاب أخطاء عند تأسيس الدول ورسم حدودها، كلها أمور ساهمت بدفع العالم الى حفرة عميقة من مجازر جديدة، واطلق المؤرخ الاميركي ديفيد فرومكين على مؤتمر السلام المشهور في باريس عبارة (السلام لانهاء كل السلام)، لكنه في الواقع وضع الاسس للصراعات المتعاقبة التي لا تعد ولا تحصى في تلك المناطق.
وكانت احدى المشاكل القليلة التي بقيت بلا حلول في مؤتمر باريس للسلام، هي الامبراطورية العثمانية والاراضي التابعة لها، فالمخططات الامبريالية لم تكن شيئا جديدا بالنسبة للعثمانيين.
وكان كل من المندوبين البريطاني السير مارك سايكس والفرنسي جورجس بيكو قد اتفقا في العام 1916 على تقسيم الامبراطورية العثمانية وعبر عنها باتفاقية سايكس–بيكو، وفيما بعد وكنتيجة لمؤتمر باريس للسلام تم توقيع معاهدة “سيفر” في العاشر من آب 1920، وهي معاهدة سلام انتهكت جميع حقوق السيادة للامبراطورية العثمانية من خلال خسارة اجزاء من أراضيها وتسديد ديونها وحل جيشها، وهي نتيجة طبيعية لخطط ما بعد اتفاقية سايكس– بيكو.
 
أهداف امبريالية
عندما تم توقيع هدنة “مودروس” في 30 تشرين الاول 1918 معلنة نهاية الحرب العالمية الاولى والتي انهت القتال بين الامبراطورية العثمانية وقوات الحلفاء، بقيت اغلبية المناطق التركية والكردية تحت سيطرة الامبراطورية العثمانية، غير ان معاهدة سيفر خلقت بيئة مثالية لقوى الحلفاء وشركائها المحليين كاليونانيين والارمنيين، حيث سمح لتلك القوتين باحتلال وحكم مواقع ستراتيجية حتى وان كانت مناطق مأهولة باغلبية مسلمة.
واجهت الأهداف الامبريالية لمؤتمر باريس مقاومة شديدة في الاناضول، والتي رفضت معاهدة سيفر وطالبت بسيادة وطنية على المناطق الواقعة ضمن هدنة مودروس.
وكان هدف حركة المقاومة الوطنية بقيادة الجنرال مصطفى كمال (اتاتورك) هو حماية سيادة الدولة والشعب التركي اعتمادا على “الميثاق الوطني” على العكس من قادة العالم في مؤتمر باريس الذين قاموا بنسف اوضاع وواقع الاراضي العثمانية.
وكانت حركة الميثاق الوطني رافضة لاي اجتياح يوناني او ارميني من خلال إعادة تنظيم شعب الاناضول وبقايا الجيش العثماني، فضلا عن ان بنود الميثاق الوطني كانت قد توجت في مؤتمر ارضروم، عبر بيانه القوي “ان الامة سوف لا توافق على وضعها تحت الانتداب او الوصاية”.
وهذه كانت اشارة الى ان تركيا الحديثة ستكون مستقلة وسترسم حدود دولتها.
ومع هذا، لم تكن هناك حركات قوية مثل هذه الحركة في الاجزاء الاخرى من الاراضي العثمانية والتي كانت تعيش حالة الصراع القومي داخل تركيا، وقد اضعفت القوى البريطانية والفرنسية اي مقاومة مستجدّة في هذه المناطق، وكانت القوى الحليفة فعالة في منع اي نماذج ناجحة مشابهة لحرب الاستقلال التركية في الاراضي التي كانت تابعة للعثمانيين.
وفشلت محاولات الامبرياليين لبناء الدول، وهذا أدى إلى اطلاق بداية للصراعات التي يبدو انها لن تنتهي في الشرق الاوسط الذي كان يحكمه العثمانيون حتى اندلاع الحرب العالمية الاولى.
 
وتستمر دورة العنف
وبعد عشرين سنة فقط تسببت الاخطاء القاتلة لمعاهدة فرساي بمذبحة اخرى وبمستوى ضخم اسمها الحرب العالمية الثانية. وبالاضافة الى اخطاء معاهدة فرساي، واجهت الاراضي التي كانت تابعة للعثمانيين مشاكل اكثر منذ مؤتمر باريس للسلام للعام 1919.
حيث اطلق على الاراضي التي كانت تابعة للعثمانيين بأنها دول او شعوب لم تتمكن حتى الآن من حكم نفسها، والتي كانت بشكل رئيس تحت الانتداب البريطاني والفرنسي وباشراف عصبة الامم المتحدة، وهذه الدول ما زالت تعيش جدالا بكونها لم تنضج تماما حتى الآن لكي تحكم نفسها بنفسها.
وبخصوص انظمة الانتداب فقد حلل “توماس ادوراد لورنس العرب” الحكم البريطاني في العراق على النحو الذي جاء على صفحات جريدة صندي تايمز في آب من العام 1920، فيقول:
“ان حكومتنا اسوأ من النظام التركي، فهم يبقون على تجنيد 14 الف مجند محلي ويقتلون سنويا مئتي عربي من اجل حفظ السلام، ونحن نبقي على تسعين الف عسكري وطائرات وسيارات وقطارات مدرعة وزوارق حربية، لقد قتلنا ما يقارب عشرة الاف عربي مع بداية موسم الصيف هذا”.
وتسبب النظام الذي ظهر بعد مؤتمر باريس للسلام بحروب وكوارث انسانية اخرى في الاراضي العثمانية السابقة على امتداد مائة سنة لاحقة.
 
هشاشة الثقافة الديمقراطية
لقد فشل نموذج سايكس– بيكو فشلا ذريعا ببناء الدول والشعوب في الشرق الاوسط، وتسبب رسم الحدود الكارثي بحلقات صراع عرقية ودينية وسياسية لا تنتهي.
ولا تزال الثقافة الديمقراطية ومؤسساتها هشة في الاراضي العثمانية السابقة، كما لا يزال كبار منتجي النفط والغاز يحكمون تحت ظل الانظمة الملكية بينما تناضل الشعوب الاخرى ضد الاستبداد، فضلا عن الصراعات المدنية العسكرية المسببة للانقلابات، والدكتاتورية او العيش في ظل نظام العقود الاجتماعية الهشة كما هي الحال في لبنان.
ويعد الصراع المستمر بين الفلسطينيين واسرائيل وهو ثمرة الماكنة الامبريالية، مثل قنبلة موقوتة بالنسبة للمنطقة، الى جانب الحروب الاهلية المستمرة في كل من سوريا واليمن، فمن المستحيل القول ان المنطقة ستستقر خلال اي وقت قريب. وعلى الارجح فان التركة الاكثر اهمية لهذا القرن هو مؤتمر باريس للسلام الذي يمكن تعريفه كأزمة دائمة في الاراضي التي كانت تابعة للحكم العثماني.
 
عن موقع .Trt world.com