خبرٌ مؤسفٌ جدّاً

آراء 2022/04/23
...

 نرمين المفتي
(مصير حزين جدّا لمعلم كان يستحق أن يدخل ضمن قائمة اليونسكو للتراث الإنساني.. ومصير مؤسف لموقع سياحي من الدرجة الممتازة… هل ننتظر أو نتوقع خطوة حكومية للمحافظة عليها؟، يا له من سؤال مثل الأسئلة التي لا نجد أجوبتها!).
بهذا المقطع أنهيت مقالا سابقا لي عن إنقاذ بحيرة ساوة من الجفاف، ولا أبالغ إن قلت بأني وقطعا آخرون معي شعرنا بحزن عميق مع قراءة إعلان مدير بيئة محافظة المثنى، يوسف سوادي، يوم الأحد الماضي عن اندثار بحيرة ساوة التاريخية عن الوجود. وذكر سوادي، أن «بحيرة ساوة لوحظ التغيير على وضعها منذ عام 2014 وقد طالبنا مرات عدة بالتدخل من أجل إنقاذ هذا المعلم التاريخي في المحافظة، لكن من دون آذان صاغية لنا». ومن الأسباب التي أدت إلى هذه الخسارة التاريخية والعلمية والسياحية الفادحة، أشار سوادي «هناك 3 عوامل رئيسة وراء الجفاف الذي أصابها، منها التغيير المناخي الذي أصاب العالم والعراق من أكثر البلدان تأثرا به». وأضاف، كما أن «من أسباب جفاف بحيرة ساوة، هو تغيير الصفائح الزلزالية والتي غيّرت المجرى الطبيعي لها تحت الأرض، فضلا عن قيام العشرات من الفلاحين وأصحاب المصانع والمعامل بإنشاء الآبار الارتوازية التي أسرفت في استخدام المياه الجوفية، مما أسهم بانخفاض الكميات الواصلة إليها بشكل كبير 
جدا». 
ومنذ 2014، ناشد خبراء وأساتذة جامعة ومنظمات بيئية من خلال وقفات تحذيرية قرب البحيرة ودعوة شبكات الإعلام، فضلا على نداءات على صفحات التواصل الاجتماعي مع نشر صور البحيرة وهي تفقد مياهها يوما بعد آخر، ومع إعلان سوادي يبدو جليا أن الجهات المختصة لم تسمع أو لم تهتم.. والجهات المختصة في هذه القضية متعددة وأهمها العلمية والسياحية والتاريخية، خاصة وأن البحيرة تبعد نحو ٣٠ كلم فقط عن مدينة الوركاء أو أوروك السومرية حيث وُلد التاريخ 
المكتوب. 
ويقول الدكتور صفاء جاسم في كتابه «بحيرة ساوة.. دراسة طبيعية وبيئية وسياحية» إلى أن اسم ساوة مذكور في الكتب التاريخية التي تتناول تاريخ حضارة العراق القديم، حيث توجد إشارات إلى البحيرة بأنها منبع تدفق المياه الذي أغرق الأرض في قصة الطوفان بعهد سيدنا نوح (عليه 
السلام). وإذ يؤكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الموارد المائية في تصريحات إعلامية جفاف بحيرة ساوة في حدث لأول مرة في تاريخ العراق، ويعزو السبب إلى سوء استهلاك المياه في المناطق المحيطة بها وشح الأمطار والتغيير المناخي.. لكنه (أدهشني) وهو يقول: «إنّ جفاف بحيرة ساوة لن يؤثر في الحياة البشرية والأوضاع في المنطقة، كون مياهها مالحة وغير صالحة للاستخدام، كما أنّها خالية من الحيوانات والكائنات 
الحية». 
شخصيا، أعرف بحيرة ساوة التي كنت وشاهدت أسماكها الغريبة والصغيرة الحجم وأعرف من خلال التقارير والدراسات المنشورة، رغم حياتها المائية الفقيرة، إلّا أنها تزخر بخمس وعشرين نوعا من الطيور المائية، ومن بينها البط والغطاس الصغير والهدهد العراقي وغيرها. فضلا عن أنها البحيرة الوحيدة تقريبا في العالم التي يرتفع مستواها عن مستوى سطح البحر.. وسبق وأن أشرت في مقالة سابقة الى أن مجمعا سياحيا صغيرًا كان يطل عليها تحولت بمرور السنوات والإهمال إلى موقع للخارجين عن القانون والمهربين. 
وهل أتساءل أين كانت الجهات المختصة والآبار الارتوازية والفلاحون والمصانع التي تضر بالبحيرة؟، ولا بدَّ من الإشارة إلى مزرعة الملح، كانت تتبع وزارة الصناعة وأعتقد أنها مستثمرة حاليا، والتي تسحب مياه البحيرة والتي أنشئت بعد معارك الفاو في 1986 ولا أعرف سببا عن استمرار عملها وعدم العودة إلى ممالح او مزارع الملح في الفاو للمحافظة على ساوة، التي كانت تنفع كمورد اقتصادي لو كانت هناك خطط حقيقية لتنشيط السياحة. 
ساوة ليست الضحية الأخيرة للتغيير المناخي، بل إنَّ الأملاح والعواصف الترابية تهدد الآثار والشواخص العراقية والحياة بكل أشكالها أيضا.. لا أحذر طالما ليس هناك من مستمع.