مدني أم عسكري؟

آراء 2022/04/23
...

 غيث الدباغ
 
إن ما نلاحظه من تقدم كبير في الصرح العمراني والعلمي والثقافي والفكري والاجتماعي والانساني لبلدنا عن الحقب السابقة، جاء نتيجة دراسات مركزية قام بها مختصون في تحويل طبيعة المجتمع ذات التفكير البدوي او الريفي إلى حضري، محاولين بجهد عدم تطبع المجتمع عسكرياً لمخلفات الطبيعة العسكرية، التي سيطرت على الكثير من أفراد المجتمع منتزعين منهم نزعة العنف من أجل تكوين رقعة أكثر اماناً واستدامةً، حيث إن طبيعة المجتمع العسكري غالباً ما تكون (متطرفة، متعصبا، قاتلا للأفكار، غير سوي بين أفراده، تكثر فيه التقسيمات الداخلية والمشكلات الاجتماعية والأسرية، يقع في الكثير من المطبات الاقتصادية، يكون مجتمعا مستبدا بعيدا عن العلاقات الدبلوماسية التي تنعش بلده والكثير من المؤشرات السلبية التي تعمل على تهديمه). 
وهذا مختلف تماماً اذا كانت الطبيعة المدنية هي السائدة، لأنها تتيح لنا فرصة الحصول على مجتمع (انتاجي، صناعي، متعلم، متفهم، مثقف، ناضج، فضلاً عن تكوين مجموعات تقدم الدعم اللوجستي والفني والخدمي والانساني للمجتمع بمشاركة جماعية لنجاح العملية الديمقراطية، ناهيك عن النشاطات الانسانية للحد من الفقر وتمكين دور المرأة والطفل وبث محتوى هادف مسيطر على الطبيعة المرئية والسمعية لمواقع التواصل الاجتماعي، والكثير من المحصلات الايجابية التي ترتقي بالبلد من خلال وضع معايير محدثة لحقوق الانسان مقارنة بتغيير الأحداث).
وهذا ما يثبت إيمان أفراد المجتمع المدني بأنه يمثل رابطة تكاتف ينتمون إليها طوعاً وبإرادة حرة لحماية المصلحة العامة للرقي والتطور، والآن ما نشاهده هنالك صراع بين من يقدم مصالحه ومنافعه الشخصية، وفقاً لأفكاره والوقوع بمأزق دبلوماسي، ومن يريد الامن والاستقرار لبلدنا كون النظام السياسي القائم في ظل وجود مجتمع مدني فاعل نظاماً متفاعلاً، وغير مطلق السلطة، ويخضع في أداء مهامه لقواعد عقلانية، لأن بطبيعة البيئة المجتمعية يتمتع باستقلالية من النواحي المالية والإدارية والتنظيمية وهو ما يجسد معنى قدرة أفراد المجتمع على تنظيم نشاطهم ووظائفهم بعيداً عن التدخلات 
السياسية.
فان تنمية وتطوير وتفعيل دور المجتمع المدني يكون طبقاً لنظم داخلية توضح فعاليته وصلاحيته تدريجياً، بمعنى أن تجد المؤسسات للمجتمع المدني فضاءً يؤمّن جواً طبيعياً لنموها وتطورها وتفاعلها واستثمار طاقاتها، بدلاً من اهمالها، فهنالك الكثير من يريد تقديم خبراته واستثمارها، تطوعاً بنبل مقاصدها، وأن يغلب على ذلك الطابع السلمي أي أن إحياء المجتمع المدني وتنشيط أدواره يعزز من السلم المجتمعي دون أن يعني ذلك الإطاحة بالنظم السياسية القائمة، وإنما من خلال العديد من الإصلاحات التي تستهدف تحسين طرائق الحكم وأساليب الإدارة وإقامة التوازن النسبي بين الدولة والمجتمع، بحيث تتحدد واجبات وحقوق الدولة 
والمجتمع.