فلسفة الصيام في الأديان

آراء 2022/04/23
...

غازي فيصل
 
الصوم ممارسة بشرية قديمة ارتبط بها الانسان منذ بدايات وجوده على الأرض، وكثير من الديانات كانت تمارس هذا الطقس، مثل (الهندوسية والبوذية والمسيحية واليهودية)، إضافة إلى أنها شعيرة دينية مهمة في جميع الأديان السماوية وتختلف طقوسها وتقاليدها من دين لآخر، لكن أهدافه الدينية والروحية مثل التزهد والعبادة تتشابه فيها جميعها، في الديانة المسيحية (عبادة وخضوع) للخالق عزَّ وجلَّ ولا توجد مواعيد محددة للصيام كما هو الحال عند المسلمين، ولدى اليهود فإن الصيام تكفير عن الذنوب واستغفار عن الخطيئة التي يرتكبها الإنسان. وجميع أتباع الديانات والعقائد السماوية وغير السماوية كالبوذية والهندوسية وغيرها يمارسون عبادة الصيام تقربا لله عزَّ وجلَّ ،وتربية وتهذيبا للنفس وسلوكا حضاريا إنسانيا يشعر الصائم بمعاناة الفقير ويشاركه آلامه.  والصوم عملية ترويض الجسد ورغباته وفرصة ترويض النفس وتعزيز القيم الروحية العليا في مواجهة الغرائز والرغبات والعيوب النفسية، والشفاء النفسي لدى علماء النفس هو القدرة على التحكم بالغرائز وترشيدها، وبتعبير سيمغون افرويد تقوية الأنا في مواجهة الغرائز والعكس صحيح.
الصوم تربية روحية ورحلة إيمانية فريدة يجد المرء فيها نقاء الروح والطمأنينة والراحة والسعادة وصفاء النفس، ويرى الكثيرون فيه عبادة تربوية وفلسفة روحانية، يستطيع الإنسان أن يمارس في نفسه التغلب على اللذة لكي تتحقق التغلب على اللذة الآثمة، وتتعهد نفسه بالامتناع عن المأكل والمشرب، لكي يستطيع الصبر على الجوع والعطش، ولو إنهم تدبروا حكمة الصوم في الإسلام وجميع الديانات لرؤوا فيه نظاما عمليا من أقوى وأبدع الانظمة الاشتراكية، فهو فقر إجباري واشتراكية رحيمة يتساوى فيها الجميع في بواطنهم، سواء منهم من يملك المليارات ومن لم يملك شيئا يشتركون في الآلام المنبعثة عن الشعور بالواقع، ومن الآلام تنشأ الرحمة، ومن الرحمة تنبعث العدالة وتتحقق المساواة والاطمئنان.
يجوع الناس فيه جوعا واحدا، ويعطشون عطشا واحدا، ثم يشبعون شبعا واحدا ورويا واحدا، لا يمتاز بطن عن بطن، ولا فم عن فم، وبذلك يشعر بالجوع من لم تكن ثروته تسمح له بالجوع قبل صومه، ويحس من آلام الفقر والحرمان ما كان الغنى والترف يمنعه أن يحس به. لو يتدارسها المجتمع علمية مدة هذا الشهر بطوله، فليهبط الرجل كان أو امرأة إلى أعماق نفسه ومكامنها، ليختبر في مصنع فكره معنى الحاجة و معنى الفقر، وليفهم في طبيعة جسمه معاني الصبر والثبات والإرادة، ليبلغ من ذلك درجات الإنسانية والمواساة والإحسان، فتتحقق معاني الإخاء والحرية والمساواة.