بهذه العين يرانا الآخرون

آراء 2022/04/23
...

 د. أثير ناظم الجاسور
 
قد نختلف أو نتفق على ما حدث في العراق قبل العام 2003، وما بعده من احتلال الذي وعد العراقيين بأنموذج مختلف يسعد الناظرين ممن هم في المنطقة حكاماً وشعوباً، فقبل العام 2003، كان العالم ينظر للعراق من زاويتين الأولى لما يمتلكه العراق من موارد طبيعية وبشرية تجعل منه في المقدمة متميزاً خصوصاً لما يمتلكه من مصادر الطاقة التي لعبت ولا تزال تلعب دوراً في تحديد سياسات الدول التعاونية والصراعية، كل هذه المميزات تم تجميده أو التفكير فيها لمرحلة بسبب سياسات نظامه الذي يحيلنا إلى ثانياً بعد أن عدّه النظامان الدولي والإقليمي على أنّه نظام غير آمن مهدداً لأمن جيرانه والمنطقة برمتها لا بل مصدر قلق وواحداً من معوقات مشاريع القوى الكبرى فيها، فكانت هذه الصورة على الصعيد الخارجي، أما داخلياً فهو قامعٌ للحريات سالبٌ للحقوق نظاماً شمولياً بتوجهات غير منطقية، بالمحصّلة كل ممارساته مثيرة للشك والريب مع غياب حسن النيّة في التعامل لأنَّ حسابات النوايا بينه وبين الآخرين باتت معدومة، من ثم الصورة بالمجمل شعب مظلوم مغلوب على أمره ونظام يمارس سياساته الداخلية والخارجية بطرق غير عقلانية مما اضطر الجميع على عزله.
أما عراق ما بعد 2003 أيضا تم النظر إليه من زاويتين مع اختلاف بديهيات النظام ومتبنياته وضروراته واختلاف الأدوات، الصورة الأولى شعب لا يزال يعاني لا بل ازدادت المعاناة ومجانية الموت تلاحقه إلى أن أصبحت ملازمة له منذ التغيير المنتظر ولغاية اللحظة، ما حصل عليه من هذا التغيير هو الفسحة التي يحاول من خلالها أن ينتقد ويطفئ من خلالها نيران غضبه والتي هي بالحقيقة تصب لمصلحة النظام الجديد لتصوره على أنه يمتلك من الديمقراطية ما لم يمتلكها سابقه، زاد على ذلك أصبح للشعب بدل القائد الضرورة الواحد مجموعة من الضرورات المقدّسة سواء حزبية أم شخصية تختلف باختلاف المرحلة والظرف، وبات المشروع المتميز لهذه المراحل هو المشروع الانتخابي لكل أربع سنوات تجديدية لنواب سواء ذات الوجوه أو قد تختلف باختلاف المرحلة أيضا والمسمى، وهم مشروع موت مع كل اعتقاد أن الآخر الساكن في عقلية من في السلطة يهدد كيانهم، وهم مشروع فقر مدقع مع كل مرحلة فساد مقبلة.
أما النظام السياسي فهو الصورة الثانية التي رسمها الآخرون لنا على اعتباره نظاما ضعيفا غير قادر على إدارة شؤون الدولة، وغير قادر على تحقيق السلم الأهلي والتعايش والتداول السلمي للسلطة والأكثر من ذلك غير قادر على حماية مواطنيه، وهو نظام مفتت متعدد الخطوط بتعدد الأجندات ومشاريعها في العراق الإقليمية منها والدولية، ممارساته جعلت من العراق في مقدمة الدول المنتجة لعدم الاستقرار تخشاه كل الدول الأصدقاء منها والأعداء، بالمحصلة كل ما في العراق متأخر في الخدمات والأنظمة الصحية والتعليمية والحريات والحقوق لنقل الحياة بكل تفاصيلها، بات الفساد بديهية من بديهياته التي تعود على أن تكون ضمن حركة الحكومات وتشكيل البرلمانات، تعدد فيه المتحدثون والمؤدلجون حتى بات له أكثر من رئيس وزراء وجمهورية ووزير خارجية كل يغني على ليلاه، باتت أرضه مستباحة وسيادته معدومة يتذيل القوائم بالتطور والتحديث، نظام بلا توجه ولا سياسة بلا مشروع يمتلك من الفراغات ما يصعب على من يحاول الإصلاح فيه ملؤها.
بتعدد الصور لعراق القبل والبعد تُرسم صورة واحدة مجمل تفاصيلها شعب خاسر وأنظمة ظالمة.