احتباس سياسي مؤسف

آراء 2022/04/23
...

 عباس الصبَّاغ 
 
لم يكن مُتوقعا أن تصل مآلات المشهد السياسي العراقي بعد إعلان نتائج الانتخابات إلى هذه الدرجة من التشرذم الوطني، وهي التي كان من المقرر ـ أي الانتخابات ـ  أن تكون بنسخة غير مكررة عن سابقاتها، أي أن تكون بعيدة عن إنتاج عملية سياسية ضمن منهج المحاصصة والتوافق سيئ الصيت، وذلك بسبب الفساد وسوء التخطيط ووضع الشخص غير المناسب في المكان المناسب مع هدر  ترليوني مبرمج للمال العام دفع العراقيون ثمنه باهظا من حاضرهم ومستقبلهم مع ضياع أغلب الفرص المؤدية إلى إرساء حكم رشيد والتمتع بحياة كريمة. تقابل ذلك في ذات الوقت دعوة أخرى تتمثل في إنتاج عملية سياسية بعيدا عن التحاصص التوافقي أي وفق نظام الأغلبية السياسية التي دعا إليها سماحة السيد مقتدى الصدر بعد أن رأى أن العراقيين قد اكتووا بنار المحاصصة والتوافق وضاعت منهم أغلب الفرص لتأسيس دولة كريمة تليق بهم طيلة ما يقارب عقدين من الزمن ضاعت هباءً، فأراد تغيير بوصلة العملية السياسية نحو اتجاه آخر.  
 ولكن!!
يفترض أن لا يستحيل الاختلاف في الرأي إلى شقّ الصف الوطني وتشتيته إلى حزبين متناقضين لكل حزب رؤيته وجمهوره ومنظرّوه ومحلّلوه السياسيون ووسائل إعلامه، وهذا الانقسام وبهذا الشكل هو طبيعي أو معتاد عليه في البلاد التي تعتمد الديمقراطية بأبسط صورها، ولكن له آثار وخيمة على الانسجام السياسي ـ المجتمعي، كونه يؤدي الى  تشظي الرأي العام وتخنّدق الشارع وراء متاريس  ايديولوجية متقابلة وتشظّي النسيج المجتمعي العراقي الذي بقي منسجما في أحلك الظروف لأن هذا النسيج هو النواة الصلبة التي يعتمدها المجتمع السياسي بإنتاج عمليته السياسية، فإن كان المجتمع الأهلي غير منسجم ستُولد حكومة لا تعمل بسياسة الفريق الواحد وبالنتيجة انعدام ثقة الشارع بالعملية السياسية برمتها وينحسر تأييده ومشاركته في الانتخابات (مستقبلا) وهي الوسيلة الديمقراطية الوحيدة التي لا مناص عنها للتداول السلمي للسلطة وهو أحد أهداف الديمقراطية ولتفادي الوقوع في شراك المربع الأول حيث الديكتاتورية المقيتة التي مازال أغلب العراقيين يئنّون من آثارها المأساوية   وما يجري الآن من تجاذبات ومناكفات وكيديات  وطرح سقوف عالية من الشروط التي قد تكون تعجيزيَّة، وعدم طرح الثقة مع الطرف الآخر والانفتاح عليه والجلوس معه على طاولة واحدة كل ذلك سيضر بالعملية السياسية إن لم يتمّ التوصل إلى  بصيص ضوء في نهاية النفق المظلم، فالجميع عراقيون لهم وجهة نظر في إرساء خارطة طريق لتشكيل حكومة تخدم الشعب العراقي، أو في أسوأ الأحوال اللجوء إلى المعارضة وهو خارطة طريق ثانية نتمنى على الكتل السياسية أن تنظر بعين الاعتبار للوضع الحساس الذي يعيش فيه العراق وان يلتزموا بالسياقات الدستورية في الاعتراض فمن حق الجميع أن يعترضوا على أي شيء وفي كل شيء شرط احتساب حساسية المرحلة التي يمر بها العراق ومنظومة الأزمات والمصاعب التي تحدق به من كل حدب وصوب، ونتمنى على الفرقاء السياسيين التوصل الى نتائج مرضية للجميع ولو بحلول وسطى.
 إن الاحتباس السياسي الذي تعيش العملية السياسية في مناخه قد أضرَّ بالعراق وعلى جميع الصعد لا سيما الاقتصادية منها لا يختلف عن الاحتباس الحراري الذي يهلك الحرث والنسل.