العالم يتغيِّر من حولنا.. بماذا نفكِّر نحن؟

آراء 2022/04/25
...

 ابراهيم العبادي
من أقصى غرب العالم إلى شرقه، تلوح المؤشرات الدالة على الانعطافات الكبيرة الجارية على المسرح العالمي، حرب روسيا على أوكرانيا، صعود اليمين في أوروبا، تزايد نزعات التطرّف، اشتداد الهجمات السيبرانيَّة، التغيّرات المناخيّة الكبرى وما يصاحبها من هجرات وبطالة ومجاعات وحروب مياه وعنف مستشرٍ على الموارد، علاوة على القلق الذي يستبدُّ بالعالم، الناجم عن انعكاسات هذه الأحداث الكبرى على العلاقات الدوليَّة، وعلى مستقبل العولمة، أسواق الطاقة، أسعار الغذاء، التكتلات الإقليميَّة.
في منطقة الشرق الأوسط تجري الأحداث بسرعة كبيرة، اتجاهات التطبيع العربية الإسرائيلية، نمط التحالفات الجديدة، دخول اسرائيل في المعادلة الأمنية العربية، انهيارات اقتصادية متوقعة بسبب فشل الأنظمة والحكومات في الدول الهشة، كل ذلك ينذر بأخطار كبيرة تتمظهر في سلوكيات الشباب وتجعل مسار التغييرات الاجتماعية لا سيما في القيم والمعايير والاتجاهات السياسية تتحرك باضطراب شديد يصعب التحوط له وينذر بانفلات أمني وجنوح نحو أفكار راديكالية وتنظيمات عنيفة او متطرفة.
قد يقول القائل نعم، وما الجديد في كل ذلك؟، فما تشكل العالم الجديد، وما تغيرت صور علاقاته إلّا بسبب الحروب، فالحرب أحد محرّكات التاريخ الكبرى، ونتائج الحروب تدفع بسيرورات مختلفة إن كان على صعيد الهويات القومية، والفكر الاقتصادي  والسياسي، أو التحالفات الأمنية والعسكرية أو حتى التكنولوجيا والتقانات بل كل 
شيء.
فخلال المئة عام الأخيرة من عمر البشريَّة، حدثت حربان عظيمتان، وعشرات الحروب المتوسطة والصغيرة والعديد من الحروب الأهليَّة، صاحب ذلك ونتج عنه، إعادة بناء النظام الدولي، وتوزيع القوى ما بين دول عظمى وأخرى كبرى، ثم الدول المحوريَّة والأخرى ذات الأهميَّة الإقليمية في عالم الجيوسياسة، الآن يجري تمزيق ما استقرَّ عليه النظام الدولي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وانفراد اميركا بقيادة العالم، بينما تستعد الصين الآن لتكون عملاق الكون الذي يرفض أن يعامله الآخرون بغير تعريفه لنفسه وإمكاناته الهائلة وقفزاته التقنية والمالية والاقتصادية 
والعسكرية.
العالم يصوغ نفسه من حولنا، الدول العربية الغنية والفقيرة تهرول باتجاه إسرائيل وتعتمد عليها في توازنات القوة في مواجهة إيران التي صارت تهديدا لأولئك أو هكذا يستشعرون.
في كل هذه المتغيرات تعاد صياغة العديد من المفاهيم ويتم تحديد خطوط حمر جديدة، وتتغير أولويّات الأمن الوطني والعلاقات الخارجية وفق منطق المصالح 
الجديدة.
ما جرى ويجري بطبيعة الحال، ما كان ولن يكون من دون معارضة أو مقاومة أو تفسير مبني على حقائق أو أوهام، لكن المعارضة والمقاومة هاجسها الخوف والقلق مما يجري، عندما لا تكون مساهما أو فاهما لمحرّكات التغيير وعلاقات القوى وأفكار وفلسفات العالم الجديد، ستكون متلقيا وفاعلا سلبيا، تنصاع رغم إرادتك، تتحرك خلاف مصالحك، تدفع فواتير حروب الآخرين، وتنتظر حراك الايديولوجيات والأفكار وهي تعصف بك وباستقرارك، أهكذا نحن أم لا؟، ساحتنا المحلية الموبوءة بالصراعات والمتخمة بالأزمات والتي تشكو من سوء التفكير والتدبير والتخطيط والإدارة والحكم، تعيش مشكلات عصر ما قبل الدولة الحديثة، لا الأفكار الحديثة تفعل فعلها في أنماط سلوكنا ووعينا، ولا ما يجري في العالم يجعلنا نستجيب من وحي المسؤولية وقراءة المخاطر وتقديرها وإدارة التوقع إدارة فعّالة، نحن بلا نخبة سياسية عقلانية، بل اوليغارشية تفكّر بمصالحها الفئويّة والحزبيّة والزعاماتيّة، يتعكّز الكثير منها على فكرٍ بالٍ وأيديولوجيات مستهلكة، أطرافها تتصارع على (الماء والكلأ) كما كانت قبائلنا البدويَّة تفعل من قبل!!، كلّ شيء يجري خارج المعقول، خذ هذا المثال وقس عليه، فبينما يشكو العراق من نقص الغاز لتشغيل محطات الكهرباء الغازيَّة ويعتمد على الغاز الإيراني المستورد، يفكّر إقليم كردستان على لسان رئيس وزرائه مسرور البارزاني بتصدير الغاز الى أوروبا محاولا الدخول في لعبة السياسة والطاقة التي يلعبها الكبار عادة، يريد أن يقول نحن جاهزون لتعويض قسط من الغاز الروسي الذي تفكّر أوروبا بالاستغناء عنه حتى لا تمنح روسيا ميزة ستراتيجية ومالية، كرر السيد مسرور ذلك في مؤتمر الطاقة في أبو ظبي وبعدها بأسبوعين خلال حديثه أمام المعهد الملكي البريطاني (تشاتام هاوس) في لندن يوم 19 نيسان الحالي، رافضا من جديد حكم المحكمة الاتحادية بخصوص عقود النفط والغاز في الإقليم، وداعيا الى الخروج من عباءة النظام الاتحادي (الفيدرالي) الى الكونفدراليَّة، الإقليم على لسان نخبته السياسية الحاكمة لا يريد لبغداد أن يكون لها رأي في قضايا الأمن والطاقة والاقتصاد والعلاقات الخارجية، بغداد مطالبة أن تجهّز الإقليم بالأموال وتستقبل من الإقليم رؤساء للجمهورية ووزراء ونواب يقسمون على الورق الدفاع عن سيادة العراق ومصالح شعبه!!!!!!!!!؟، والحل لكل الإشكاليات بين أربيل وبغداد في كونفدرالية علنية وأغلبية وطنية!!!!، هذه الملهاة السياسية العراقية تفسّر لماذا يعزف شباب العراق وهم الذين يشكلون 60 % من عدد السكان، عن المشاركة والانخراط في العمل السياسي، كما يقول استبيان مركز البيان للدراسات والتخطيط الأخير الصادر في (نيسان 2022)، قرابة 80 % لا يريدون الترشح أو الانخراط في أحزاب أو حتى المشاركة في انتخابات، عزوف الشباب في آخر انتخابات تشريعية عراقية وتقلص نسبة المشاركة هو السبب الأكبر في وصول العملية الديمقراطية الى مأزق وانسداد، هذا يعني أن الشباب لا يثق بالساسة والأحزاب والزعامات، ربما يكرهها، وقد يكون مستعدا للخروج عليها في أول بادرة سخط وغضب واحتجاج، إنَّه بركان خامد كما يصفه الملخص التنفيذي لمركز 
البيان. 
هل نحن في معزل عن هذه المتغيرات الكبرى الجارية في العالم؟، قد يفسّر لنا مقال الرأي الذي نشره رؤساء وزارات ألمانيا واسبانيا والبرتغال في الصحف الاوروبية الكبرى، نمط التفكير والاهتمام بالمتغيرات والمشاعر والتوجهات السياسية والخيارات التي تصنع المستقبل القريب. الشخصيات الثلاث ذكرت بالماضي الحالك لأوروبا أبان الحروب التي أنتجتها اتجاهات سياسية متطرّفة كما جرى في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، حيث صعد الاتجاه النازي من قاع الاضطراب الفكري والمشاعر السياسية المؤدلجة، العالم يشهد تموجات خطيرة، لذلك دعا هولاء السياسيون الكبار (شولتس وسانشيز وكوستا) الى دعم الرئيس الفرنسي ماكرون لولاية ثانية داعين الفرنسيين إلى عدم التصويت لمرشحة اليمين ماري لوبان لأنّها متطرفة ومنحازة الى بوتين وغير ديمقراطية ولاتكن احتراما كبيرا للحرية والديمقراطية والسيادة والقانون وهي القيم المقدّسة التي أنتجها فكر التنوير الفرنسي وصنعت عالما جديدا، لا شكَّ أنَّ السياسيين الثلاث تدخلوا بشكل واضح لصالح تعديل اتجاهات الفرنسيين لئلا تغلبهم مشاعر الانفعال والغضب من الانجاز الضعيف لماكرون، إنّه تدخل محسوب لتأطير اتجاهات الرأي العام الاوروبي، قادة اوروبا يدركون قيمة المراهنة على أفكار أحزاب الوسط في ظرف عصيب حيث الحرب البوتينية على أبواب قارتهم العجوز، والمتغيرات ستكون في أول منعطف سياسي واقتصادي، إذ فقد الأوروبيون ثقتهم بمظلة الحماية الاميركية وبات عليهم أن  يعيدوا النظر في سياساتهم الدفاعية، كما عليهم أن يستعدوا لاضطرابات عنيفة في مصادر الطاقة، وما ينتج عنها من آثار اقتصادية تضعف الثقة بأحزاب الوسط وتدفع نحو اليمين القومي 
المتطرّف.
كل العالم يتغيّر أو يستعد للتغيير من افغانستان التي تتقاتل فيها تيارات السلفية الطالبانية والداعشية وهم من مدرسة ومحركات متقاربة، الى افريقيا، الى جزر المحيط الهادئ حيث تزحف القدم الصينية بهدوء، أما نحن فساكنون جامدون تكلس الفكر عندنا ومازلنا ندمن شعارات اليسار الثوري العروبي والماركسي وأضفنا له اليسار الإسلامي، حتى من كان مصنّفا على اليمين صار اليوم ينافس على مقاعد اليسار دونما تنظير ذي قيمة وانجاز ملموس. وستداهمنا المتغيرات في غمرة صراعنا على الماء والكلأ!!!؟.