حياكة {وطن} وإيجابيَّة نسيج سرديَّاته

آراء 2022/04/27
...

 لقمان عبد الرحيم الفيلي  
 
لنتصور أنَّنا، أبناء وادي الرافدين، اتفقنا جميعا على حياكة قطعة سجاد جديدة ولنسمها "وطن"، وهنا يأتي السؤال عن النقوش والرسوم والأشكال الهندسيَّة التي نريد القيام بحياكتها لنعكس جمالية وفخامة هذه السجادة؟، لنقل بأنَّنا اتفقنا على رسوم ونقوش جميلة تعكس غنى تاريخ ومستقبل وادي الرافدين وحضاراته وتطلعاته.
هنا يأتي السؤال الثاني عن مدى قوة تحمّل هذه السجادة لتقلّبات الزمن والمناخ وآثاره عليها من حيث المواد والخامات التي صنعت منها لضمان عدم تمزّقها أو اهترائها؟، لنقل بأنّها مرنة ومتينة وستتحمّل متغيرات وأعباء الزيادات الديموغرافية والمناخية وتوترات المنطقة وتعقيدات العولمة. 
هنا يأتي السؤال الثالث عن قوة درجة محافظة هذه السجادة على جمالها ومتانتها ورقيها في حال استخدامها عمليا وفرشها على الأرض وتعرضها للاستهلاك المباشر، لا أن تبقى معلّقة على الجدران للزينة والديكور كلوحة كماليَّة؟، لنقل بأنّها عملية وممكن جدا أن تُستهلك وتجدد حيويتها وإدامتها ومقاومتها للمناخ الحار والبارد والجاف. 
إذن نحن أمام ثلاثة تحديات وخصال أساسية ومهارات وخبرات عالية مطلوبة متعلقة بالجودة للاطمئنان على جمالية ومرونة وقوة السجادة "وطن".
وعليه فإن القيام بحياكة "وطن" بهذه الخصال الثلاث لا تأتي من فراغ وبالتمني بل تحتاج الى حياكة سرديَّات جميلة ذات متانة وعمق وأن تكون عملياً متقبلة لمتغيرات الجغرافيا والتاريخ والاجتماع. 
ولضمان مهارة وقدرات الحائك العالية لسجادة "وطن"، ضروري أن نتذكر مقولة اقتبستها هنا من رواية خيالية مشهورة لجورج أورويل واسمها "ألف وتسعمئة وأربعة وثمانين" (التي كتبت أيضًا باسم 1984) والتي تقول "من يسيطر على الماضي يسيطر على المستقبل، ومن يتحكّم في الحاضر يسيطر على الماضي".
يا ترى كم هي درجة سيطرة الحائك على حاضره لكي يستطع أن ينتج سجادة "وطن" جديرة بجمالية وادي الرافدين وعمقه الحضاري وتطلعه المستقبلي؟، من دون إغفال أن السيطرة على الحاضر، كمقدمة للسيطرة على المستقبل، تحتاج الى مقومات عدة منها قيادة ذات معرفة بتاريخ بلدها، وذات مقدرة على رسم مستقبلها، وذات إدارة تتحكّم بالسيطرة على "وطن" ولا تتركها للفرص والحظ ومكائد الأشرار.
كذلك تحتاج الى قرار وإرادة وقلب قوي ذي مقدرة على فرض نفسه وسط متغيرات الزمان والجغرافيا، وإرادة لا تردد فيها، ولا مساومة على متانة وجودة وعملية "وطن" وتعرف بالضبط السرديَّات الايجابية البناءة المطلوبة لحياكة "وطن".
وماذا عن السرديَّات السابقة لل"وطن"، بعضها سلبيَّة مغروسة في عمق تاريخ وادي الرافدين، وقد تحتاج إلى تحديث قيمي أو هوياتي أو معتقداتي وليس تحديثا ممارساتيا أو سلوكيا فقط، وبعضها مشوّشة لا تعرف أين مكامن الحقيقة من الخيال فيها، وبعضها إيجابية تستطيع أن تحييها من جديد وتكون للحائك عونا في حياكته لجماليَّة سجادة "وطن" المنشودة.  
دعونا نحن أبناء الوطن، لا الأجانب الدخلاء، نراجع هذه السرديات بمختلف ألوانها وطبيعتها، ونصححها إن تطلب الأمر، لذلك فإنَّنا إن تنازلنا عن هذا الشرط فسنرى سجادة "وطن" جديدة مشوّهة تعكس كل مخاوفنا ومحاذيرنا. فحياكة "وطن" لا تأتي من فراغ وعدم، بل من خلال تكاتف أبناء الوطن وتعاضدهم على خلق سرديَّات جديدة تضيف للسجادة جمالية رسوم ونقوش ورونق وجودة. 
لنخلق لأنفسنا سرديَّات إيجابية جديدة عديدة بشؤون مختلفة، بشأن مُثل عليا نتفق عليها؛  وهوية وطن معالمها واضحة نتمسّك بها؛ وقيم إنسانية ووطنية بناءة؛ وأهداف واقعية ممكن أن نصل لها بعد عقد أو أقل من الزمن؛ وطبيعة دور معقول ومؤثر في إقليمنا؛ وبشأن شركاء استراتيجيين للعراق من البلدان والمنظمات الدولية التي لا نختلف بخصوصها كثيرا؛ وبرامج ومشاريع وطنية كلنا نستفاد منها وتربط مصالح محافظاتنا مع بعض؛ وكيفية خلق سياسات عامة تعتمد على التعايش والتشاور والتوافق؛ وأخيراً بشأن منهج جديد ننتهجه معاً قائم على معادلة ربح- ربح في تعاملاتنا مع بعضنا البعض.
السؤال هو ليس هل ستُخلق سرديَّات جديدة لل"وطن" أم لا، شئنا أم أبينا سنرى خلق سرديَّات جديدة نتيجةً لديناميكية تقلّبات أحوال وظروف منطقتنا ومركزيتها وتعقيداتها وتداعيات تركتها الثقيلة، ولكن هل لنا دور في رسمها وهندستها وتحديد طبيعتها الإيجابية أم سنتركها للاجانب ومن لهم أجندات قد لا تخدم وطننا الذي نعيش ونتعايش حوله. 
القيام بحياكة قطعة السجاد هو فن بحد ذاته ويحتاج أن نتعلّمه ونجيده، مع بعض الصبر، لكي نخلق لأنفسنا سرديَّات "وطن" جديدة تخدم أجيالنا المقبلة وشبابنا الواعد.