ساطع راجي
بينما يهتم المراقبون السياسيون والإعلام بتحركات الزعامات السياسية لترتيب التحالفات والتهيئة لتشكيل الحكومة الجديدة، ينطلق مسار ثان في العمل السياسي لتدبير طريق آمن للخروج من الأزمة الخانقة عبر تجاهلها تحديدا، والتحول من مواجهة الأزمة الى إدارتها وإدامتها.
المسار الثاني الذي تريد القوى السياسية الخروج عبره من حالة الجمود السياسي ومشكلة الخلل، ثم الخرق الدستوري هو قانون الأمن الغذائي، الذي يتظاهر طباخوه أنهم قلقون جدا على مصير المواطنين، ونظرا للعشرة الطويلة بين المواطن وقوى السلطة، فإن حالة القلق هذه غير مقنعة، فالمواطن العراقي اعتاد أن يكون آخر من تفكر به القوى السياسية، ولذلك لا بد من البحث عن الدافع او الدوافع الحقيقية للحرص على تمرير قانون الآمن الغذائي في هذا التوقيت، حيث تعيش الدولة حالة الفراغ الدستوري والمرحلة الرمادية بين حكومتين، واحدة هي لتصريف الاعمال اليومية ولا يحق لها دستوريا وقانونيا وعرفيا تقديم مشاريع قوانين للبرلمان وأخرى، حكومة في بطن الغيب ومن المحتمل أن لا تظهر أبدا.
إذا تمَّ تمرير قانون الأمن الغذائي في البرلمان تحت حكومة تصريف الأعمال فسيكون ذلك ذريعة لتمرير قوانين وقرارات أخرى، ليست من صلاحية الحكومة المنتهية ولايتها وسيكون استمرار الحكومة الحالية لفترة أطول، وربما حتى لأربع سنوات أو أي موعد لاجراء الانتخابات القادمة، أمرا ممكنا ومقبولا ما دامت الامور تسير وفقا لمصلحة قوى الحكم.
حتى الآن، لا يبدو أن هناك اعتراضات سياسية كبيرة على مشروع قانون الامن الغذائي، ولم يهدد أي طرف باللجوء الى القضاء للطعن في دستوريته، ربما لأن ثماره المالية ستسقط في سلال جميع قوى الحكم لاحتوائه على فقرات تخص تسديد مستحقات مالية وأوجه انفاق أخرى مهمة، تكاد تجعل القانون أشبه بقانون موازنة عامة.
تفضل الكثير من القوى السياسية صفقة (اللا خاسر واللا رابح)، واستمرار الحكومة الحالية هو تجسيد لهذه الصفقة، ولذلك تسود حالة تهدئة مع اركان الحكومة الحالية.
تفكر قوى السلطة في مظهرها ومصالحها أكثر بكثير من جوهر النظام الديمقراطي (التغيير والاصلاح الدائمين) والحدود الدستورية التي تمنع هيمنة فرد او مجموعة على السلطة بدون سقوف زمانية مع الخضوع للرقابة، لكن قوى السلطة تخطئ دائما في تخمين ردود الفعل الشعبية على صفقاتها القاتلة.