نوزاد حسن
قبل أيام سلّمت وزارة الخارجية السفير التركي مذكرة احتجاج شديدة اللهجة بسبب العملية التركية ضد حزب العمال الكردستاني في ناحية شيلادزي ومناطق متفرقة أخرى.
في الحقيقة أنا قرأت ما جاء في تلك المذكرة من استنكار لهذا القصف التركي، ووصفه بأنّه عمل استفزازي، لكن هذه المذكرة بحد ذاتها تعيد الى الأذهان حكاية قديمة جدا مرّ عليها عدة قرون حين كانت الحروب بين الأتراك والإيرانيين كقوتين متنافستين على احتلال العراق تدمر حياة الناس وقراهم وما يملكون.
في تلك الفترة من القرن السابع عشر أعلن الشاعر والمتصوّف الكوردي الكبير أحمدي خاني استنكاره لما يقوم به الجيشان التركي والإيراني من أعمال تخريبية ضد قرى الكورد الفقراء. احتجَّ هذا الشاعر العظيم بقوة ونشر احتجاجه في ملحمته الشعرية الرائعة "مم وزين". ومنذ ذلك الوقت وحركة التاريخ لم تخل من احتجاج ومذكرات شديدة اللهجة ضد ما يتعرّض له الإقليم وقراه من قصف وتدمير.
أربعة قرون مضت تقريبا على أول احتجاج ضد التدخل التركي رفعه شكسبير الكورد أحمدي خاني كما اسميه، وكان يحلم أن تتوقف آلة الحرب عن العمل والقتل اليومي. وما زال الحال على ما هو عليه، إذ يتكرر القصف والعمليات العسكرية بين وقت وآخر، وليس من المستغرب أن تعلن الجهات الرسمية في الإقليم من أن 500 قرية كردية هجرها أهلها بسبب تلك العمليات التي تهدد حياتهم.
هل أتحدث عن تاريخ ساكن يكرر الأحداث نفسها لكن بأدوات جديدة، وأسباب جديدة أيضا؟، أجيب: نعم الأحداث تعيد نفسها بقسوة لأن التطور العسكري لم يعد كما كان في السابق، وفي سطور مذكرة وزارة الخارجية يرن صدى احتجاج قديم أطلقه ذاك المتصوّف المعذّب بصور الموت والألم.
أخشى أن يتسع نطاق هذه العمليات أكثر من ذلك فتخرب ناحية شيلادزي الجميلة، وقد كانت مسرحا لآخر قصف تعرّض له جبل متين الذي يطل عليها، وإذا بقي الوضع على ما هو عليه فليس من المستغرب أن تطول قائمة القرى والنواحي التي ستتعرض للتدمير، وهذا التحدي الخطير كما أظن هو كفيل بأن يدفع القوى السياسية الى العمل الجدي من أجل وضع حلول تنهي حالة القلق والخوف لدى الأهالي.