قاموس بلاكويل للفكر الاجتماعي الحديث

آراء 2022/04/27
...

 د. يحيى حسين زامل 
كثيرةٌ هي القواميس التي تصدر في كل مدة من الزمن، ولكل قاموس يمتلك من الفرادة والتميّز ما يجعله قائما بذاته كما في {قاموس بلاكويل للفكر الاجتماعي الحديث} الذي صدر هذا العام 2022 عن {هيئة البحرين للثقافة والآثار}، وكم تمنيت لو أن فكرة هذا القاموس تطبّق في العراق. 
 
إذ قام عدّة من الكُتّاب والباحثين بكتابة هذا القاموس كعمل جماعي، الأمر الذي نفتقده في الثقافة العراقية وفي حركة الكتابة والتأليف، ذات الحركة النشطة ولكن على الصعيد الذاتي والفردي. 
"قاموس بلاكويل" كان أنموذجًا لعمل مائز إذ كان محرراه وهم "وليم آوثوايت"، و"توم بوتمور"، وبإشراف عالم الاجتماع الكبير "الآن تورين" و"بيتر ديكنز"، و"سايمون موهان". وكانت الترجمة بإشراف عالم الاجتماع العراقي الراحل "فالح عبد الجبار"، ما يجعلنا أمام ثلة طيبة من العلم والعلماء قدموا جهدًا كبيرًا للقارئ العربي على طبقٍ من ذهبٍ.
وكان الراحل "فالح عبد الجبار" شديد التحمّس لترجمة هذا القاموس إلى العربيّة، وقد عمل عليه بمهنية عالية وموضوعية، ولكن حين اكتملت الترجمة وقبل صدور القاموس بقليل غاب "فالح عبد الجبار" عن الوجود، فقد غَيّبه الموت عن هذا العالم، ولكنه كان موجودًا في كل حرف وفي كل كلمة بصورته الأخيرة. 
ومفارقة أخرى في هذا القاموس فقد غَيّب الموتُ كذلك المحرر الثاني وهو عالم الاجتماع "توم بوتمور" الغني عن التعريف في كتبه الاجتماعية والنقدية الحديثة، ولقد كان هذا القاموس مُهْدَى إلى ذكراه، فيا لهذا القاموس من صدمات ثقافية ومعرفية خلّفت حسرة في قلوب محبي العلوم الاجتماعيّة والأنثربولوجيّة. 
ولقد سُرَّ "وليم آوثوايت" حين كانت النيّة في ترجمته إلى العربية، فقال في تقديمه: (يسرني أن يصدر هذا القاموس في لغة كبرى ثانية من لغات العالم، ما يضعه في متناول طيف واسع وبالغ من القراء في عموم الشمال الأفريقي وما اعتدنا أن نسميه بالشرق الأوسط)، وهو بهذا يشعر بالفخر والاعتزاز حين تُرجم هذا القاموس إلى اللغة العربية المنتشرة في بلدان كثيرة في الوطن العربي وما جاوره من بلدان تستعمل اللغة العربية كلغة ثقافة ومعرفة.
لقد صدرت الطبعة الأولى في العام 1993 بعنوان (قاموس بلاكويل للفكر الاجتماعي في القرن العشرين)، في خاتمة ما سُمِّي بالقرن العشرين القصير (ابتداءً من 1914 وانتهاءً بـ 1989)، وقد اجتاز القاموس اختبار الزمن، واستمر في انتشاره في الأوساط العلمية والفكرية والثقافية في كل العالم. 
ولقد غَطّى قاموس بلاكويل مجالات واسعة من العلوم الاجتماعية والفلسفة، والعديد من النظريات والمذاهب السياسية والأفكار والحركات الثقافية، فضلًا عن تأثير العلوم الطبيعية في هذا الكم الكبير من المفاهيم والمصطلحات العلمية. 
ولقد أحاط القاموس بحسب وليم آوثوايت بثلاثة مواضيع رئيسة أولًا: المفاهيم الرئيسة المستعملة في الفكر الاجتماعي، ثانيًا: المدارس والحركات الفكرية الأساسية، وثالثًا: المؤسسات والمنظمات، سواء تلك التي دُرست بصفتها مواضيع حيوية في التحليل الاجتماعي أو التي هي ذاتها أنتجت مذاهب وأفكارًا مهمة. 
وتناول القاموس (421) مصطلحًا علميًا متنوعًا بين الثقافة والاجتماع والاقتصاد والسياسة والعلوم والفنون والإدارة والأساطير والموسيقى والحداثة والسلوكات الاجتماعية، واللسانيات الاجتماعية، والرمزيات، واللاهوت، والنسوية وغيرها من المفردات الكلاسيكية 
والمعاصرة.
وكان القاموس بـ (1151) من الصفحات التي امتلأت علما ومعرفة في تحليل علمي وتأطير تاريخي وثبت معرفي قل نظيره فضلًا عن إيراد مراجع إضافية بعد نهاية كل مصطلح للراغب في 
الاستزادة. 
حقًا لقد كان قاموسًا قل نظيره، وهو نافع للمتخصص والهاوي ممن يرغب في التوسع في معارفه العلميَّة والثقافيَّة والاجتماعيَّة، وكذلك هو مرجع مهم للباحث الأكاديمي في المؤسسات العلميَّة والتربويَّة والتعليميَّة.