محمد صالح صدقيان
لأول مرة يظهر رئيس الوزراء العراقي مصطفی الكاظمي وهو يتوسط رئيسي الوفدين السعودي خالد الحميدان رئيس المخابرات السعودي؛ والإيراني سعيد ايرواني مساعد الشؤون الدولية في مجلس الأمن القومي الإيراني بعد انتهاء الجولة الخامسة من المباحثات بين إيران والسعودية التي جرت يوم الخميس الماضي 21 أبريل نيسان الحالي.
المعلومات تتحدث عن تقدم تم في هذه المباحثات وأنها كانت "إيجابية جدا" وقد تم الاتفاق علی أن تكون هذه الجولة هي الأخيرة بين المسؤولين الأمنيين علی أن تبدأ الجولة السادسة علی مستوی دبلوماسي؛ بمعنی ترحيل المباحثات إلی وزارتي خارجية البلدين وهو تطور مهم في هذه المباحثات.
وعلی الرغم من تكتم الجانب السعودي علی تفاصيل جولات المباحثات مع إيران. إلّا أن وزير الخارجيَّة السعودي فيصل بن فرحان قال إنها "استكشافية" لمعرفة طبيعة الرغبة الإيرانية في العلاقات الثنائيَّة ومستقبل هذه العلاقات.
النتيجة التي توصلت إليها الجولة الخامسة من المباحثات كانت طبيعيَّة استنادا لجملة عوامل سبقت هذه الجولة.
العامل الأول؛ اشترطت إيران وضع جدول أعمال واضح ومحدد للمباحثات من أجل التوصل لنتيجة عملية وواقعية للقضايا ذات الاهتمام المشترك؛ وبالفعل كانت هناك رسائل متبادلة بين البلدين عبر الوسيط العراقي والتي تمخّضت عن جدول الأعمال الذي تم بحثه في الجولة الخامسة.
العامل الثاني؛ إنَّ إيران لعبت دورا ايجابيا في وقف إطلاق النار الأخير بين التحالف الذي تقوده السعوديَّة في مواجهة حركة أنصار الله الحوثيَّة في اليمن والقائم حاليا لمدة شهرين بإشراف المندوب الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلی اليمن هانس غروندبرغ والذي أتاح أيضا فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة.
العامل الثالث؛ اقتناع الجانبين بأهمية النظر للأمام من أجل حل المشكلات العالقة بين البلدين؛ وأن الوقت قد حان لإعادة العلاقات الدبلوماسية بعيدا عن المناكفات السياسيَّة والأمنيَّة التي شهدتاها الرياض وطهران.
العامل الرابع؛ توجه السعودية لإزاحة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي الذي كان غطاءً قانونياً وسياسياً لاستمرار قوات التحالف السعودية بشن الحرب ضد اليمن، وما تعده حركة أنصار الله اليمنيَّة أنه السبب في الدمار الذي لحق باليمن ووقف أمام الحوار "اليمني اليمني" الذي أقيم في سلطنة عمان والكويت وستوكهولم.
هذه العوامل مهّدت لإنهاء المفاوضات الأمنيَّة والتحول للمفاوضات الدبلوماسيَّة التي لن تكون صعبة بتوفر الإرادة السياسيَّة لدی حكومة البلدين؛ لكن هذا لا يمنع من استمرار الخلافات بين السعودية وإيران التي تتأطر بأربع قضايا جوهريَّة.
القضية الأولی؛ إنَّ السعودية تطالب إيران بالضغط علی حركة أنصار الله للقبول بوقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات مع السعودية وحلفائها في اليمن وفق المقاسات السعودية؛ في حين تری طهران أنّها غير قادرة علی فرض مقاسات معينة علی الحوثيين أو الطلب منهم بمطالب في الوقت الذي يتعرضون فيه لحصار قاتل وحرب مدمرة غير متكافئة وغير نمطية.
القضية الثانية؛ إنَّ السعودية تطلب من إيران إعادة صياغة علاقاتها مع الإقليم وتحديداً مع "محور المقاومة" الذي تتبناه إيران في المنطقة؛ في حين تری طهران أن هذه العلاقات غير قابلة للبحث أو النقاش مع أي جهة، لأنَّها ترتبط بمصالحها الوطنيَّة وقراءتها للوضع الإقليمي الأمني وموقفها من القضية الفلسطينية والصراع مع الكيان الإسرائيلي.
القضية الثالثة؛ إنَّ السعودية كانت تنتظر دائما مخرجات المفاوضات التي تجريها إيران مع الدول الغربية علی خلفية برنامجها النووي وكانت تنتظر مآلات هذه المفاوضات من أجل تحديد توقيتها علی ساعة نتائج هذه المفاوضات في الوقت الذي كانت إيران تقول دائما إنَّ العلاقات الثنائية مع دول الإقليم لا يمكن ربطها بنتائج هذه المفاوضات، وان علاقاتها الإقليمية يجب أن تسير بعيداً عن المفاوضات النوويَّة التي لا يعلم مصيرها إلّا الله والراسخون في العلم!.
القضية الرابعة؛ إنَّ السعودية تُطالب إيران الانكفاء داخل حدودها والعمل علی بناء إيران من الداخل ومد الطرق المعبّدة وبناء رياض الأطفال وإنشاء المستشفيات وخدمة الشعب الإيراني الشقيق الذي يكنون له الاحترام وهو يعيش في ما يسمی بالجمهورية الإسلاميَّة الإيرانيَّة! علی حد تعبير أحد زملائنا السعوديين؛ في حين تعتقد إيران أن حدود أمنها القومي يمتدُّ حتی مياه البحر الأبيض المتوسط.
هذه القضايا بقدر ما هي مهمة وستراتيجية للجانب السعودي.. إلّا أنَّها من الثوابت للجانب الإيراني؛ وتقريب وجهات النظر بين البلدين في هذه القضايا عملية ليست سهلة وليست بسيطة بجميع المقاييس كما أنّها ليست متاحة في الوقت الراهن.
إنَّ الاتفاق علی الحد الأدنی من المشتركات عملية ممكنة من أجل خلق أجواء الحوار المشترك الذي لا يخدم المصالح الإيرانية والسعودية فحسب وإنما يخدم مصالح شعوب ودول المنطقة. مثل هذا الاتفاق يمكن أن يتطور من خلال الحوار المباشر وعلی مستويات مختلفة لمعالجة المشكلات العالقة خصوصا وأنَّ البلدين أيقنا – أو هكذا يجب أن يُنتظر - أنَّ حالة التدافع الأمني والعسكري في المنطقة لا يمكن لها أن تصل لنتيجة تخدم مصالح البلدين والمنطقة.