د.عبد الخالق حسن
لم يكن ظهور وسائل التواصل الاجتماعي حدثاً مؤثراً على مستوى التحول التكنولوجي فحسب، بل إن ظهورها أحدث انتقالة إنسانية هائلة أسهمت في تغير الكثير من المفاهيم، وساعدت على تقريب المسافات بين المجتمعات قاطبةً.
ومع تمرس الجميع على هذه الوسائل صارت استعمالاتها تتعدى التواصل الاجتماعي، وأصبحت هذه الوسائل عنصراً مهماً من عناصر الصراع السياسي والثقافي. وطبعا نقصد بالصراع هنا الجانب الاثرائي فيه وليس الجانب الارتكاسي، الذي يفسد طبيعة الأشياء ويقتلها خضوعاً للمصالح الذاتية.
لكن ومع حدوث التطورات السياسية وظهور موجات الرفض السياسي المتبادلة، جرى استغلال وسائل التواصل في الحروب المتبادلة بين أعضاء التكتلات السياسية، التي استثمرت كل ماهو متاح لإثبات أحقيتها في الفضاء العام.
وإذا ما تحدثنا عن خصوصية هذه الوسائل في الفضاء العراقي سنجد أنها تراوحت في الفائدة بين دعم الدولة في أصعب اللحظات، وبين دخولها بوصفها جزءاً من معركة تسقيط سياسي اشتركت فيها حسابات حقيقية وأخرى وهمية بعنوان الجيوش الألكترونية.
ربما سنعذر من يريد استثمار هذه الوسائل ويوظفها في الترويج لنفسه، ما دام الأمر متاحاً ومسموحاً به ويستعمله حتى الساسة في العالم المتقدم. لكن مبعث الخطورة يكمن في تحول وسائل التواصل في العراق إلى منصات للتسقيط الأخلاقي والطعن بالأعراض، وصولاً إلى مرحلة نزع الوطنية بين العراقيين، وهذا طبعاً يؤدي إلى انقسام مجتمعي مرعب مخاطره تكاد تتشابه مع مخاطر الإرهاب، الذي يهدد أيضاً أمن المجتمع وتماسكه. وهو ما لمسناه حتى على صعيد الأسرة الواحدة، التي انقسمت بسبب المواقف السياسية المتضادة. فصرنا نسمع مفردات مثل (ابن سفارة. عميل سفارة. ذيل).. إلى آخره من مفردات جارحة للوجدان ولاتليق بالعراقيين المعروفين بالتضامن الاجتماعي والألفة والمحبة، وهو ما يقوله حتى الغرباء الذين يزورون العراق وينبهرون بما يجدونه عند العراقيين من حسن خلق وكرم وضيافة لا يجدونها عند غيرهم من الشعوب.
وطبعاً هنا، لايختفي عندنا السبب الأساسي لهذا التسقيط المتبادل، ونعني هنا الانقسامات السياسية التي جعلت العراقيين متناحرين في ما بينهم. لهذا صار لزاماً على الساسة أن ينتبهوا إلى أن انقساماتهم لاتقف عند حدود مكاتبهم، بل إنها تنزل للشارع وتتمشى بين الناس مثل كرة نار تحرق من تمر بجانبه. لكن مع هذا، المسؤولية تقع علينا أيضاً كشعب. إذ إنه من المفترض أن لا تنجر عواطفنا خلف الانقسامات السياسية، التي قد يحلها الساسة بين ليلة وفجرها، فيربحون هم ويخسر أتباعهم، بل الواجب علينا أن نخضع لميثاق شرف مجتمعي يحفظ للجميع احترامه ولا يتجاوز فيه الجميع حدود الاختلافات المباحة. المهم أن نظل تحت سقف الاختلاف وليس الخلاف.