ظاهرة الاستجداء والتسول

آراء 2022/05/07
...

 د. اركان كيلان
انتشرت ظاهرة الاستجداء والتسول بشكل كبير في الآونة الأخيرة، وخاصة في شهر رمضان المبارك، متخذة إسلوبا جديدا في جمع وطلب الاموال والمعونات العينية، بحيث أصبحت هذة الظاهرة تؤرق الكثيرين وتجعلهم ينفرون ويتحدثون بالسلب عن كيانات كانت يجب ان تحضى بدعم وتأييد المجتمع
وهي (المنظمات غير الحكومية)، حيث مارست بعض المنظمات طريقة الاستجداء والتسول من حيث يعلمون أو لا يعلمون مبتعدين عن واجباتهم واهدافهم التي تأسست من أجلها المنظمة، متخذين وسيلة لمساعدة الآخرين من خلال جمع الأموال والمساعدات العينية بطريقة لا تليق بها لأنها شريك مع الدولة في خدمة المجتمع.
تمثلت ظاهرة الاستجداء والتسول في (المنظمات غير الحكومية) على شكل مجموعات من الشباب نساءً ورجالا، يحملون شهادة تسجل المنظمة ويرتدون هويات تعريفية لها والبعض منهم يمتلك تخويلا من رئيس المنظمة، متغاضين عن وصولات القبض يستوقفونك في المناطق والطرق العامة أمام المحال التجارية والمطاعم وحتى الجامعات والتجمعات البشرية، بل البعض ذهب اكثر من ذلك وتسول في المناطق السكنية وطرقوا الأبواب طلباً للمعونة الإنسانية.
السؤال هنا ماذا نصف هذة الظاهرة التي تمارس من قبل بعض المنظمات غير الحكومية، هل هي استجداء وتسول؟ أم هي حملات تبرع؟.
للإجابة على التساولات يجب علينا أن نفك الالتباس بالمفاهيم اولاً من خلال تعريف المصطلحات وأن نسمي الأشياء بمسمياتها، لأن عدم التميز بين المفاهيم والجهل بالقوانين يضعك ربما في موضع الاتهام والجريمة.
فقد عرف الاستجداء: على انه طلب المال من الآخرين في الطرق العامة عن طريق استخدام عدة وسائل لاستثارة شفقة وعطف الناس. أو هو قيام بعض الأشخاص بجمع التبرعات من الجمهور بغرض مساعدة بعض الحالات الانسانية بأي وسيلة من وسائل الإعلان، سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي او عبر المواقع الالكترونية.
ولو رجعنا لتعريف الاستجداء من الناحية اللغوية لنجد أن معظم المعاجم العربية أجمعت على أن الاستجداء: هو فعل يدل على طلب المعونة أو المساعدة.
يتضح من ذلك بأن الاستجداء: هو فعل يستنزف المجتمع ويتخذ من العاطفة والمفاهيم الانسانية والدينية ذرائع لجمع الأموال بلا ضوابط أو رصد لكمية الأموال المستحصلة.
بينما عرف التبرع: بأنه فعل يدل على العطاء من غير أن يسأل، أي أعطى مساعدة أو احساناً من غير أن يطلب عوضا. يتضح من ذلك بأن التبرع: هو عطاء إنساني طوعي لا يطلب منه ويستند الى مبررات خاصة بكل متبرع.
إذاً الفرق والاختلاف بين فعل الاستجداء وفعل التبرع واضح من حيث المصطلح والمفهوم والوسيلة، فقد صنف الاستجداء في القوانين على أنه جريمة اجتماعية يعاقب عليها بالسجن او الغرامة في بعض القوانين. بينما التبرع هو فعل طوعي قائم على مبررات إنسانية، فالفرق كبير بين طلب المال وانتظار قدومه. ومع ذلك هناك بعض الدول فرضت بموجب القانون تحديد الغرض من جمع التبرعات والجهات المستفيدة والوسيلة، التي يتم بواسطتها جمع التبرعات والمواقع التي ستجمع بها التبرعات ومدة جمع التبرعات مع تحديد نسبة النفقات التشغيلية والادارية، التي سيتم استقطاعها لصالح المنظمة.
يعاب على بعض (المنظمات غير الحكومية) في العراق ممارسة الاستجداء وهي تجهل ذلك وتعتقد بأنها تعمل على جمع الاموال والمساعدات الانسانية لغرض تمويل نشاطاتها وتحقيق اهدافها المرسومة في نظامها الداخلي وتعدَها وسيلة من وسائل تحقيق أهدافها. لكن في الحقيقة هو فعل استجداء لأنه يفتقد إلى الطوعية وجاء نتيجة طلب المال، وفي الأغلب يستلم المال من دون وصل قبض من المنظمة، وبالتالي لا يقيد إيراد له ولا يتم اظهاره في حساباتها الختامية، ولا تودع الاموال المستحصلة في حساباتها المصرفية، وبذلك أصبحت المنظمة هنا في موضع الاتهام وان كانت مقاصدها آخروية.
قانون المنظمات غير الحكومية رقم (12) لسنة 2010 في الفصل الرابع المادة (13) حدد موارد المنظمة بما يلي:
• اشتركات الأعضاء.
• التبرعات والمنح والوصايا والهبات والهدايا الداخلية والخارجية.
• العوائد الناتجة من نشاطات المنظمة ومشاريعها.
أي أن القانون لم يذكر وسيلة جمع الأموال كإيراد للمنظمة لغرض تحقيق أهدافها، بل في موضع اخر من القانون نفسه حظر جمع الأموال لدعم المرشحين للمناصب العامة او تقديم الدعم المادي لهم.
إذاً على المنظمات غير الحكومية في العراق التميز بين الاستجداء والتبرع، فلا يوجد سند قانوني لطلب التبرعات المادية والمساعدات العينية وصنفت هذه الأفعال 
بالاستجداء. 
 لذلك عممت الأمانة العامة لمجلس الوزراء/ دائرة المنظمات غير الحكومية كتبا لجميع المحافظات لرصد ظاهرة جمع التبرعات من قبل بعض (المنظمات غير الحكومية)، بطريق الاستجداء والتسول ودعت للحد من انتشار هذه الظاهرة الخطيرة، والتعاون مع دائرة المنظمات غير الحكومية للقضاء على هذه الظاهرة وابلاغها عن هذه الحالات لغرض اتخاذ الاجراءات القانونية المناسبة لها. وعدم منح كتب للمنظمات من قبل الأجهزة الأمنية والإدارية في المحافظات لتسهيل حركاتها.
إن ظاهرة الاستجداء والتسول من قبل المنظمات غير الحكومية في العراق تقلل من مكانتها ودورها وشأنها في دعم الدولة وعلى الأصعدة كافة، لذا يجب على المنظمات الابتعاد عن هذه الظواهر السلبية والتميز بين الاستجداء والتبرع لكي لا تفقد حواضنها الاجتماعية.
 
باحث في شؤون المجتمع المدني العراقي