الكتابة والانحياز الأيديولوجي

آراء 2022/05/07
...

 ريسان الخزعلي
 
يتردد بين حين وآخر في الوسط الثقافي قول ٌ يشير إلى أنَّ «الأيديولوجيا تضرُّ بالابداع والمبدع «، ومثل هذا القول يبقى عليل الصدق والمصداقية كونه لا يستند إلى مراجعة دقيقة لكشوفات علوم الجمال وتحليلات النظريات النقدية، وما آلت اليه تحولات المدارس الأدبية والفنية؛ كما أنهُ لا يخلو من تشويه وتشويش بقصديّات معروفة تحاول أن تجعل من المبدع فرداً في مجتمع وليس فرداً من مجتمع، مع أنَّ الفرق واضح بين التوصيفين، فحينما يكون فرداً في مجتمع، فإنَّ هذا يعني حالة من (الطواف)، في حين عندما يكون فرداً من مجتمع، فهذا يعني حالة من (التواشج والالتصاق) .
الايديولوجيا صورة للحب المادي والفكري والروحي، وطريقة في التفسير والتعامل مع الوجود الانساني، وبدون هذا الحب لا يستطيع كائن مَن كان أو يكون أن يكشف أساريره لمن يحب، ولماذا يحب؟، كما أنَّ الأيديولوجيا لا تعني التحنيط في مساحة واحدة ضيّقة على الاطلاق .
فحينما يكون الانسان منحازاً لأيديولوجية ما، لا بدَّ له أن يتفاعل تطابقاً أو تعارضاً مع الأيديولوجيات الاخرى كي يصفو ويتجوهر في قناعاته، وينشغل بالتوازيات المعرفية من أجل تمرين وتطويع الوعي على مراودة أُفق القبول والرفض؛ من هنا يكون الانحياز الأيديولوجي كشفاً وليس انغلاقاً، وحينما يتعلق الأمر بالمبدع فإنَّ الانحياز هذا يكون اضافة نوعية لمدركاته الإبداعية.
إنَّ الضرر الذي سيلحق بالمبدع المنحاز أيديولوجياً لا يتحقق الّا اذا كان غير موهوب ابداعياً وليس بذي تجربة عميقة وثقافة شاملة. 
وعند المراجعة للسجل الابداعي، يمكن القول: هل أضرّت الأيديولوجيا بإبداع بابلو نيرودا، أراغون، ايلوار، ناظم حكمت، كَامو، السياب، النوّاب، وغيرهم الكثير؟، وما أذكره هنا للمثال والإشارة الدّالة وليس للحصر. 
وفي استفهام ٍ آخر، ألم يكن معظم البنيويين – وهم الذين أحدثوا هزّة في الفكر النقدي والاجتماعي – قد كانوا من تكوين وانحياز ماركسييَن؟. 
من هنا يبدو القول : بأنَّ الأيديولوجيا تضرّ بالابداع والمبدع، منكشِفاً للفضاضة والتسطيح، حيث يُراد منه أن يكون المبدع كالكرة المرمية على قارعة الطريق يعالجها مَن يشاء وفي أي اتجاه يرغب من دون رؤية الهدف 
وتحديده. 
وأرى أنَّ المنشغلين بهذا القول، وفي العراق تحديداً، يتناسون فكرة الطبقية وبعدها الاقتصادي وكذلك الانحياز الطبقي وبعده الانساني النضالي؛ انهم يتململون من إبداعات الأدباء ذوي الميول والاتجاهات اليسارية والشيوعية تحديداً، في الوقت الذي نراهم يشعلون كلامهم يساريّةً في التداول الشفاهي اليومي، وحين يكون الحديث عن المنجز الابداعي/ الآيديولوجي فإنهم يلصقون به صفات التراجع الفني، متناسين اشتراطات النقد والتحليل، ومتناسين كذلك الوعي الأيديولوجي كونه الجذر الأعمق - مع جذور أخرى - لشجرة الابداع، ومَن يُحاول أن يقلع هذا الجذر، سوف يجمع نثار الورق اليابس لا غير.
إنَّ عودةً للمنجز التنظيري العالمي ومدارس علم الجمال سترينا تنظيرات متنوعة في/ عن: الفكر والآداب، الشعر والأيديولوجيا، الفن والانحياز الطبقي.. الخ، وجميعها ترى في الوعي الأيديولوجي الذي يُعارض المضامين البرجوازية منطلَقاً عميقاً يراود الإبداع ويقطفه من أعمق الجذور العصيّة على الملامسة، من إجل إنسان أنقى وحياة أرقى ووجود أبقى.