سعد العبيدي
يؤكد العلم على أن قدرات الإنسان البدنية، والنفسية على التحمل ليست مطلقة، وان اختلفت مستوياتها من شخص لآخر، ومن زمن لآخر، وكذلك من مجتمع الى آخر، فرزاق على سبيل المثال يتحمل العيش، والعمل طوال النهار في شمس الصيف العراقية الحارقة، ولا يتحمل ساعة منها كاظم، إذ إن الطاقة النفسية التي جاءت مع ولادة رزاق الإنسان، يختلف كمها عن تلك التي ولدت مع كاظم، كما أن الاثنين قد تعرضا الى ظروف عيش بيئية مختلفة، يمكن أن تكون قاسية بالنسبة الى الأول ساعدت على إكسابه امكانية التعود، والتقبل الى الظروف المشابهة في قسوتها مستقبلاً، في حين كانت ناعمة مترفة الى الثاني، لم تسمح له التعود واكتساب خبرة التكيف والتعامل، لكن هذه القدرة النفسية على التحمل لكل من الرجلين، وفقاً للحسابات النفسية، وكما ورد ليست مطلقة، أي أنها محددة بسقف أعلى أو نقطة معينة (العتبة الفارقة)، مستوى من التحمل متى ما بلغه الضغط النفسي في ظرف محدد، يحدث الانهيار في القدرة، وناتج حدوثه في المعتاد اضطرابات ومشكلات نفسية اجتماعية ومشاعر عدوان وربما نوع من التمرد... حقيقة سيكولوجية تنطبق على معطيات الحياة العامة، وعلى مفردات العمل، وملابسات الحرب، وكذلك على وقع السياسة التي يلاحظ في مجالها عدم إعارة الاهتمام من قبل الفاعلين العراقيين في ساحتها لمآل هذه الحقيقة، بعد أن تركوا أطرافها ذات الصلة بتشكيل الحكومة ولملمة الأخطاء واصلاحها أقرب الى المسدودة، علماً أن الانسداد وبضوء هذه الحقيقة يشكل ضغطاً نفسياً على الإنسان العراقي، تتصاعد شدته زحفاً باتجاه العتبة الفارقة الجماعية، ضغطاً سياسياً إذا ما وضع مع ضغوط الفقر وحر الصيف وانقطاع الكهرباء وكثر الفساد، وفشل الإدارة، سيزيد من سرعة التصاعد وسيقربنا مجتمع منهك نفسياً من حدود الاضطراب، عندها سيكون إيقاف التداعي؛ أو الترميم والإصلاح في هذا المجتمع مستحيلاً، وستكون الخسائر جسيمة.