الإنسان ابن بيئته وظروفه، وليس من طبعه البقاء والثبات على حال من دون غيره.الإنسان يولد بريئاً، بكارته في نقائه وأحلامه وصفاء قلبه، إلا أنه سرعان ما يأخذ طبعا آخر، ومنطوقاً مختلفاً قد يناقض تلك البراءة وذاك البيان.
وليس بطل رواية (وردن للجرنون/ ورد للجرنون) للكتاب الأميركي: دانيال كيز ـ ترجمة: محسن بن سعيد.. استثناء.
فهذا البطل يدعى (تشارلي غوردن) مختل عقلياً والمؤلف يقدم لغته كما هي واردة على لسانه، حاملة الأخطاء اللغوية والإملائية والتعبيرية، فهو بدلاً من كتابة (وردٌ للجرنون) كتبها (وردن) وكذلك بقية الأخطاء.
غوردن يخضع إلى سلسلة من التجارب العلمية كما الفئران/ الجرنون , ويتعافى ليعود سالماً يتحدث بوعي سليم.
إلا أن إحاطته بالظروف التي كانت ملازمة له من قبل، تجعله يعود إلى تخلفه العقلي من جديد.
ومع أن لغة وموضوع هذه الرواية بالغة الغرابة واستثنائية في تناول حالة إنسانية متفردة، إلا أنني وجدتها تقترن إلى حد كبير بعدد من السياسيين والإداريين الذين يقودون البلاد.
فقسم يدخل موقعه وهو ملوث السلوك، وبدلاً من تغيير اصلاحي منتظر؛ تحوله التجارب الملوثة المحيطة به إلى (جرنون) يقرض كل ما يقع أمامه، وقسم نقي نظيف اليد واللسان والخصال، ولكنه سرعان ما ينتقل إلى تلويث يده ولسانه وخصاله، ليصبح مخلوقاً آخر يجد في الرذيلة سلوكاً، وفي الأذى شجاعة، وفي السرقة جرأة وفي الجهل بطبيعة عمله عقدة يحارب بها كل كفء.
حتى أصبح (الجرنون) و (غوردن) شيئا واحدا في الاستسلام للتجارب، والانتقال ما بين الذاكرة المختلة، والذاكرة التي تخل بالاخرين، وكأن هذا الاختلال، نوع من السلوك المقصود والمنتقى والذي ينبغي أن يكون كما هو حال الآخرين.
وإن كان هؤلاء في (صحوة) سريعة لتحقيق كل ما هو سلبي في الواقع وتكريس للجهل واستغفال لحقوق الناس. فإن هذا البعض صار يدعو إلى تجريب حكم البلاد وقيادة البشر، كما لو إنهم حقل للتجارب، قد تنجح فيهم عملية (اصلاح) وقد تؤدي العملية إلى (كارثة).
هذا هو الواقع الذي نعيشه راهناً، حتى لنجد انفسنا في حالات نتحول فيها إلى (تجربة) في يد مسؤول لا يسأل عن ذنوبه، وإنما تتحول ذنوبه إلى (ترقية) وعمله الفاشل على أنه حاول ولم يفلح، فله أجر إن عمل وأجران إن أفلح.
ترى.. هل سنجد انفسنا امام سياسيين واداريين يعدون شعبنا حقل تجارب، أم إنهم أبناء محيطهم وظروفهم، يتغيرون ويعيثون في الارض فساداً وخراباً، انطلاقاً من واقع أسود يقترن فيه الفشل من قبل ومن بعد؟
ترى.. لماذا لا نجد لأنفسنا بذرة أمل، علّها قد تنبت وتزهر وتملأ الكون بهاء وعطراً.
للحقيقة أقول: آمالنا منكسرة منذ تغيير 2003 حتى اللحظة. وحتى زمن نجهله!.