رعد أطياف
دائماً يراودني هذا السؤال: لماذا نجهد أنفسنا في مواقع التواصل الاجتماعي للظهور بأفضل طريقة مثالية من خلال ما نكتب، يقابلها حالة من الانفصال على مستوى السلوك؟.
لا يفكر أغلبنا بالكتابة في ما يفكر به أو يتصرف به حقيقةً، دائماً ما نضفي قناعاً سميكاً بين الكتابة والسلوك. نكتب عن الحب والقيم النبيلة، نكتب عن خفايا الآخرين وأفعالهم الهدّامة، نكتب عن(أو نشتم) المجتمع وأمراضه المزمنة، لكن في واقعنا لا نشبه ما نكتبه!.
ثمّة ميل أو حنين للفعل الخيّر، هنالك توق مركوز في أعماقنا لفعل الخير والظهور بأفضل ما يمكن، والدليل على ذلك توجهنا صوب التفكير الإيجابي في ما نكتب محاولةً منّا نيل التقدير والاحترام اللازم من الآخرين، (حتى أننا نزعل من أولئك الذين لا يكرموننا بإعجاباتهم!).
فارق كبير بين ما يدور في الذهن وبين العادات المستحكمة؛ العادات الذهنية الحقيقية التي تكبّلنا بسلاسلها فتتحول إلى سلوك. فرق بين العادة المستحكمة والاستنساخ.
بعضنا يكون مصداقاً لمقولة " أحب الصالحين ولست منهم".
إن قليل من المكاشفة مع الذات والتصالح معها يمكنه أن يقلل هذا السيل العارم من الفصام، ويجعلنا أكثر مصداقية في ما نقوله. لا يعني هذا الكف عن الاعجاب بحكمة الغير أو التوقف كلياً عن الكتابة، لكن - ومن منظور شخصي- نحتاج إلى وقفة بين الحين والآخر لننظر في هذه الفوهة الكبيرة التي نحدثها لأنفسنا دون أن نعلم ونستلهم العبرة منها. إذا كانت الدوافع هي لحصد التقدير من الآخرين، فهذا الفعل يشبه العطشان الذي يحاول الارتواء من البحر المالح دون جدوى، لأن الواقع عكس ذلك تماماً والمعجبين في العالم الافتراضي لا أظنهم قادرين على تحسين ظروفنا النفسية على الإطلاق. أمّا إذا كانت لفهم الذات فبالتأكيد ستثمر ولو بعد
حين.
وبخلاف ذلك سنغدو مصداقاً جلياً للنزاعات العشائرية التي تحدث في هذا البلد بين الحين والآخر؛ يتقاتلون على أتفه الأسباب ويتحولون كما الضواري، وتدور بينهم معارك طاحنة، لكن في لحظات الصلح لا نسمع إلا طرائف الحكم وعذب الكلام، غير أن المشكل في هذا كله هو المتاجرة بهذه الكلمات المعسولة دون أن نرى لها تأثيراً يذكر في حياتهم اليومية، إذ لمجرد أن ينقدح زناد الأهواء النفسية، سيُستَبدَل ذلك الكلام المعسول بالويل والثبور وعظائم الأمور، وسيختفي أثر الحكمة ويحل محلها السلاح المتوسط، والأشعار الحماسية. فإن كانت ثمة مؤامرة على هذه الذات المسكينة هو تحميلها ما لا تطيق من التصورات
المزيفة.