امتيازات

آراء 2022/05/09
...

 د . صادق كاظم
 
تصدر بين فترة واخرى قرارات حكومية بتوزيع قطع أراضٍ سكنية على فئات من الدرجات العليا والخاصة كالوزراء والمستشارين وكبار المسؤولين في الدولة، إضافة إلى القضاة وبمساحات كبيرة وفي احياء سكنية مكتملة الخدمات. هذه القرارات تبدو غير منطقية او مقبولة, إذ إنها تراكم امتيازات لطبقة عليا من الموظفين يمتلكون دخولا مالية كبيرة تمكنهم من شراء المنازل وأغلبهم لا يعاني من مشكلات او عوز في هذا المجال, إضافة إلى ذلك فإن في هذه القرارات تجاهل واضح لمعاناة ثلاثة ملايين مواطن، لا يملكون اية منازل ويقيمون في أحياء عشوائية تفتقر 
إلى ابسط مقومات الحياة ويعيش الساكنون فيها في ظروف معيشية صعبة عنوانها الكبير والبارز العوز والفقر والألم.
منح الامتيازات بهذا السخاء الواسع لفئات مقتدرة ماديا ومعيشيا وتعاني بالأصل من تخمة مالية من الرواتب والامتيازات، التي تجعلها سعيدة ولا تعاني من ضائقات مالية أو هموم او اعباء معيشية، كالتي يعاني منها الفقراء والمعوزين في بلاد تعوم على بحيرات من البترول يعيش ثلث سكانها تحت خط الفقر يمثل اعادة انتاج لتجارب الحكومات السابقة، التي تبنت هذا الاسلوب منذ العهدين العثماني والبريطاني، الذي امتاز بتشكيل طبقات سياسية تتمتع بالثروة والنفوذ والمناصب من أجل كسب ولائها ولضمان وقوفها الى جانب الانظمة الحاكمة وعدم خروجها عليها, لكنه وبالرغم من فشل هذه التجربة تاريخيا وسياسيا وبشواهد عديدة، الا أن العقلية السياسية للانظمة في العراق لا تقبل ان تتغير فهي تكرر أخطاء سابقيها, حين تقتبس منها الأفكار نفسها والأساليب في الحكم وإدارة الدولة.
صناعة الفوارق الطبقية المناصبية واحتكار فئات معينة من الموظفين لامتيازات مالية ووظيفية لا يحظى بمثلها أقرانهم من الموظفين الصغار او متوسطي الفئات والدرجات الوظيفية أو عامة الشعب يولد أزمات ويضعف من حالة التضامن الاجتماعي والولاء السياسي للدولة, حين تبرز مثل هذه الفوارق بوضوح التي تحدث شرخا نفسيا واضحا لدى المواطنين. 
تجاهل الحكومة لمعاناة الشرائح الفقيرة والساكنين في العشوائيات السكنية غير اللائقة وابقاء الأوضاع على حالها، بالرغم من العديد من المبادرات الحكومية لتوزيع الاراضي السكنية، التي بقيت محدودة ومصطدمة بعوائق بيروقراطية وروتينية نجحت في إفشالها بفرض ضرورة قيام الدولة بمبادرات لوضع خطط لتنفيذ مشاريع اسكانية تعمل على ازالة التجاوزات العشوائية من خلال وضع تصاميم لإنشاء مدن سكنية جديدة حول العاصمة، تبدأ من مناطق الأطراف وتتمدد خارجا باتجاه بعيد عن العاصمة على أن توضع لها التصاميم الخدمية المتكاملة من البنى التحتية الضرورية والأساسية، لذلك وهو أمر ليس بالصعب او المستحيل مثلما فعلت الحكومة المصرية، التي قامت بإزالة جميع العشوائيات من مدينة القاهرة مع منح سكانها منازل وشقق جديدة ولائقة في مناطق أخرى, رغم أن قدرات الحكومة المصرية هي أقل بكثير من قدرات العراق المالية.